هــام ظوابط شرعية في المنكرات العامة

المصدر: ظوابط شرعية في المنكرات العامة
في منتدى : المنتدى الإســـلامي العــام

ضوابط شرعية في المنكرات العامة

الحمد لله الذي جعلنا خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله ، أحمده حمداً كثيراً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله ، ومن تبعهم واقتفى أثرهم بإحسان ، وسلم تسليماً

أما بعد :


شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام ، هي صِمام الأمان لبقاء دولة الإسلام

بها صلاح الأفراد والمجتمعات .

إنها شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي شرفنا الله بها ، ونلنا بها الخيرية ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ..)

ونصوص الكتاب والسنة دالة على عظم هذه الشعيرة ، وأهميتها ، ووجوبها ، وآثارها الحميدة في الدنيا والآخرة ، وهي أشهر من أن تذكر

وليس الشأن في تعدادها وبيانها

وإنما الشأن في الفقه فيها ، ومراعاة أحكامها وآدابها وبيان المنهج الشرعي لهذه العبادة العظيمة في وقت غلط فيها كثير من الناس بين طرفي نفيض ، ما بين غالٍ فيها ، أوجافٍ عنها .

وهذه الأمة وسط عدل خيار في هذه الشعيرة وغيرها .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في بيان منهج أهل السنة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

( ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة )

ولهذا وغيره كان لزاماً عليَّ التذكير بمسائل مهمة متعلقة بهذه الشعيرة العظيمة في وقتٍ غلا فيها أقوام وجفا عنها آخرون :

المسألة الأولى : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كغيره من العبادات يشترط فيها حسن القصد والإخلاص لله تعالى ابتغاء مرضاته وعظيم نواله ، كما يشترط فيه اتباع هدي محمد صلى الله عليه وسلم في الأمر والنهي من حيث مراعاة أحوال المخاطبين ، ومراعاة المصالح والمفاسد المترتبة على الإنكار وعدمه ، والتحلي بالرفق في الإنكار ، كما قيل : ليكن أمرك بالمعروف معروفاً ، ولا يكن نهيك عن المنكر منكراً ، كما يجب على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر عالماً بما يأمر به عالماً بما ينهى عنه .

المسألة الثانية : الإنكار ليس قاصراً على المنكرات العامة التي دون الشرك فحسب ؛ بل يعظم الإنكار ويتأكد كلما عظم المنكر ، ولا أعظم من الشرك بالله تعالى ، وقد اتفقت الشرائع والعقول السليمة والفطر المستقيمة على شناعته وقبحه قال تعالى: (إن الشرك لظلم عظيم ) وقال سبحانه : ( ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون)

وقد قلَّ في الناس اليوم إنكار الشرك والدعوة إلى التوحيد وذلك - والله أعلم - لعدم استشعارهم شناعة الشرك وقبحه ، وجمال التوحيد وحسنه .

ولله در الفاروق - رضي الله عنه - حين قال : إنما تنقض عُرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية "

ومن ذلك إنكار الإلحاد والزندقة والاستهزاء بدين الله وشرعه ، والتي ظهرت عند بعض من ينتسب إلى الإسلام ، وكذا إنكار البدع والمحدثات من المقالات والأفعال ، فإن البدع من أخطر المنكرات وأشدها فتكاً بالأمة ذلك أن أهل البدع يأتونها وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ويزينها لهم الشيطان فيلبسونها لباس الدين فينخدع بها فئام من الناس ؛ ولهذا صور النبي صلى الله عليه وسلم المحدث في الدين بخارق سفينة المجتمع حيث قال : ( مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فكان بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أننا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا ، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعاً ) أخرجاه في الصحيحين .

فلله ما أبدع هذا التصوير النبوي وما أبلغه ؛ فإن الحامل لمن هم أسفل السفينة حب الخير لإخوانهم وعدم أذيتهم ، ولكن كم مريد للخير لن يصيبه ، فواجب علينا إنكار مذهب الخوارج المارقين ، وبيان مباينتهم للحق المبين، والتحذير منهم ، وألا يغتر غِمرٌ بشعاراتهم ودعواهم التي تأثر بها بعض أبنائنا ، كما يجب إنكار المنكرات الظاهرة من الربا والمجون والتبرج والسفور ، ومذهب المرجئة الداعي إلى التساهل في الدين .

المسألة الثالثة : مراعاة مراتب الإنكار على حد حديث أبي سعيد - رضي الله عنه حيث قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من رأى منكم فليغيره بيده فمن لم يستطع فبلسانه فمن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان )

هذا الحديث قاعدة من قواعد الدين، والدال على: أن المؤمن يلزمه إنكار المنكر حسب القدرة والاستطاعة

ولا يعذر أحد في ترك الإنكار بالقلب ، وذلك بكراهة المنكر ومفارقته قال تعالى ( وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم ...)

وهذا يؤكد على وجوب البعد عن مواطن المنكرات ومفارقتها ، ومفارقة أهلها حتى يدعوها ، ويدخل في هذا عدم تصويرها ونشرها عبر وسائل التواصل .

المسألة الثالثة :

حرر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- قضية الاحتساب ، وجعل لها حالتين فقال:

"فمن كان قادراً فعليه الانتصار والمدافعة ومجانبة العجز والإضاعة، ومن كان عاجزاً عن الاحتساب فعليه بلزوم الصبر والتجلُّد والحذر من الجزع واليأس. "فالأمر أمران: أمر فيه حيلة فلا تعجز عنه، وأمر لا حيلة فيه فلا تجزع منه" (مجموع الفتاوى: [8/320]، [14/39]).

وقال رحمه الله: "ضد الانتصار العجز، وضد الصبر الجزع، فلا خير في العجز ولا في الجزع كما نجده في حال كثير من الناس حتى بعض المتديِّنين إذا ظلموا أو رأوا منكراً فلا هم ينتصرون ولا يصبرون، بل يعجزون ويجزعون"

مجموع الفتاوى: [16/38]).

وقال في موطن آخر: "وكثير من الناس إذا رأى المنكر أو تغيَّر كثير من أحوال الإسلام جزع وناح كما ينوح أهل المصائب، وهو منهي عن هذا، بل هو مأمور بالصبر والتوكل والثبات على دين الإسلام"

(مجموع الفتاوى: [18/295])

وبهذا التحرير البديع ندرك خطأ ما عليه بعض الغيورين من الجزع والهلع من ظهور بعض المنكرات ، والحكم بهلاك المجتمع ففي الحديث ( من قال هلك الناس فهو أهلكهم )

وإلا فإن الصبر والمدافعة للمنكر وأهله بالتي هي أحسن هو من الجهاد الذي أمر به ، ورتب عليه الأجور العظيمة

ولا يحتقرن أحد نفسه ، ولا يلقين اللوم على غيره ، فنحن في سفينة واحدة ، ومجتمع متماسك ، والخير في الناس كثير .

المسألة الرابعة :

ليس من إنكار المنكر في شيء نشر المقاطع والصور عبر وسائل التواصل لذلك المنكر أو غيره بحجة الإنكار والغيرة ، بل يخشى أن يكون من إشاعة المنكر ونشر الفاخشة في المؤمنين والله يقول : ( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة ..)

قال ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (1/117) في ترجمة الوزير ابن هبيرة نقلاً عن ابن الجوزي :" وسمعته _ يعني ابن هبيرة _ يقول لبعض من يأمر بالمعروف: اجتهد أن تستر العصاة فإن ظهور معاصيهم عيب في أهل الإسلام، وأولى الأمور ستر العيوب"


المسألة الخامسة : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمر شرعي يؤخذ من الكتاب والسنة ، فلا ينبغي تسيسه أو استغلاله لتأليب العامة، أو إثارة فتنة كما هو حال أهل الأهواء ؛ فتلك فتنة سبئية تولى كبره عبد الله بن سبأ حيث

جاء في تاريخ الطبري أن عبدالله بن سبأ اليهودي كان يقول : (ابدؤا بالطعن على أمرائكم وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، تستميلوا قلوب الناس ) ( ٤ / ٣٤١ )

المسألة الخامسة : استلهام الهدي النبوي الكريم في مواجهة المنكرات العامة ، وذلك بمراعاة المصالح والمفاسد في الأمر والنهي ، والنظر في مراتب الإنكار التي بينها أهل العلم في زوال المنكر أو تخفيفه فيتعين الإنكار ، وترك الإنكار إن ظنَّ ترتب منكر أعظم ، وإعطاء كل حالة لباسها الشرعي ، وذلك يفتقر إلى علم وبصيرة وبعد نظر .

وفقنا الله للعلم النافع والعمل الصالح ، وحفظ بلادنا وبلاد الإسلام من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد


وكتب : د . حمد بن محمد الوهيبي

عشية يوم الأحد ١٤ / ٢ / ١٤٤١

 

بارك الله فيك أخي على الموضوع الرائع
تحياتي لك

 

جزيل الشكر لك أخي الحبيب على تلك الروائع التي تقدمها لنا

 

امين لك مثلما دعوت

 

بارك الله فيك اخي