• بادئ الموضوع بادئ الموضوع techno
  • تاريخ البدء تاريخ البدء
  • المشاهدات 1,412

techno

عضو شرف
إنضم
8 نوفمبر 2007
المشاركات
10,636
مستوى التفاعل
279
النقاط
870
الإقامة
Algeria
غير متصل


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا للخيرات وجنبنا سبل المنكرات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله وحبيبه وخليله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأسأل الله جلّ وعلا أن يجعلني وإياكم ممن إذا أعطي شكر وإذا ابتلي صبر وإذا أذنب استغفر، وهذه الثلاث هي عنوان السعادة، من وُفّق إليها فقد أوتي خيرا كثيرا؛ من إذا أعطي شكر وإذا ابتلي صبر وإذا أذنب استغفر، ومن حيزت له هذه الثلاث فقد حيز له خير الدّنيا والآخرة، أسأل الله جلّ وعلا أن يجعلنا وإيّاكم من أهلها.
هذه الكلمة موضوعها عن: أدب السّؤال. والسؤال هذا المقصود به سؤال أهل العلم أو سؤال المعلّمين عمّا يحتاجه الناس.
وإلاّ فإنّ عموم لفظها يشمل سؤال الرّب جلّ وعلا بالدعاء؛ لأنّ سؤال الله جلّ وعلا له أدب وله أحكام ينبغي للعبد أن يحيط بها وأن يكون مراعيا لها؛ لأنّ كثيرا من أسباب ردّ إجابة السؤال أنْ يكون السؤال فيه اعتداء؛ يعني من الله جل وعلا أن يكون السؤال فيه اعتداء، أو يكون السؤال على غير المشروع أو أن يكون السائل لم يحسن المسألة فقد قال عمر رضي الله عنه في سؤال الله جلّ وعلا: إني لا أحمل همّ الإجابة ولكن أحمل همّ الدعاء فإذا وفقت إلى الدعاء جاءت الإجابة.
موضوعنا عن أدب السّؤال الذي هو سؤال أهل العلم، والحاجة ماسّة إلى معرفة آداب سؤال أهل العلم، ما طريقة سؤالهم، وعمّا يُسألون، وكيف يكون السؤال، وكيف تتلقى الإجابة؟ وما ينبغي للمسلم من توقير أهل العلم وعدم الإلحاح عليهم بالمسائل ونحو ذلك من الآداب.
وأهل العلم فيما مضى قد دونوا كثيرا من هذه الآداب في مصنفاتهم في ”أدب العلم والتعلم“ وفي ”أدب الطالب مع شيخه“ وفي ”حقوق أهل العلم بعامة“ والله جلّ وعلا قال في محكم كتابه ?وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ?[التوبة:71]، قال (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) يعني بعضهم يحبّ بعضا وينصر بعضا ويُقيل عثرة بعض، ومن أكثر أهل الإيمان حقا في الوَلاية والمحبة والنُّصرة أهل العلم؛ لأنهم لما شهد الله جلّ وعلا لهم به هم أخصب أهل الإيمان لأنّ الله قرنهم بنفسه وملائكته بالشهادة له بالتوحيد حيث قال جلّ وعلا ?شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ?[آل عمران:18]، فأولوا العلم من الناس هم الصفوة كما قال أيضا سبحانه ?يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ?[المجادلة:11] فالله جلّ وعلا رفع المؤمنين على الناس جميعا رفعهم درجات، ورفع أهل العلم من المؤمنين على أهل الإيمان عموما درجات، فهم الخاصة وهم الصفوة؛ لأنّ معهم من فهم كلام الله جلّ وعلا وفهم سنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما جعل قلوبهم أكثر نورا من قلوب غيرهم؛ لأنّ النور بالعلم، والنور إنما هو بفقه القرآن والسنة ?قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ?[المائدة:15]، من فقه القرآن وفقه السنة كان أعظم نورا في القلب وكان أعظم حقا لحقوق أهل الإيمان.

الملاحظ أنّ الحريص على الخير من الناس يسأل أهل العلم، يسألهم في مسائل فقهية فيما يواجهه، أو يسألهم في مسائل اجتماعية فيما يواجهه من مشاكل في بيته أو في عمله أو نحو ذلك، ويسأل المتعلمُ المعلمَ، لكن وجدنا كثيرا من الأسئلة قد خرجت عما ينبغي من مراعاته من توقير أهل العلم من مراعاتهم وعدم الإخلال بحقهم، فتجد أن من الناس من يخوض في سؤاله أهلَ العلم أمورا لا ينبغي أن يخوض فيها.
وأصل كثرة السؤال وكثرة المسائل قد جاء النهي عنها فقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا ما استطعتم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم» قال: أهل العلم قوله (كثرة مسائلهم) يعني عما لم يقع وعما لم يأت بيانه في الكتاب المُنَزَّل، ولهذا جاء في الصحيح أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «إنّ أشدّ المسلمين بالمسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرّم على المسلمين فحرّم عليهم لأجل مسألته»، وقد قال جلّ وعلا ?لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا?[المائدة:101]، والأحاديث التي جاءت في النهي عن كثرة السؤال متعددة وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما رأيت قوما خيرا من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قُبض كلها في القرآن. قد قال جلّ وعلا ?وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ?[البقرة:222]، ?وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي?[البقرة:186]، إلى آخر هذه المسائل، مجموع ما سأل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين هم منه مقربون إنما هي ثلاث عشرة مسألة وكلها في القرآن، وقد كان الصحابة من توقيرهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - ومن كراهتهم لكثرة المسائل يحبون أن يأتي الرجل من البادية ومن خارج المدينة حتى يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فيستفيدوا من السؤال ومن الجواب، وقد جاء أيضا في الحديث الصحيح: «إنّ الله كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال» وقد قال أيضا الحجاج بن عامر الثُّمالي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إياكم وكثرة السؤال» فالأحاديث دالة على أن كثرة الأسئلة لأهل العلم إنما ذلك داخل في المكروه إلا ما يحتاج إليه العبد فيما يأتي بضوابطه، والله جلّ وعلا أمر المؤمنين بأنْ يسألوا إذا جهِلوا، وقد قال سبحانه وتعالى لما أنكر كفار قريش أن يكون الرسول بشرا رجلا، وقالوا: إن الرسول يجب أن يكون ملكا. قال سبحانه وتعالى في سورة النحل ?وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(43)بِالْبَيِّنَ اتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ?[النحل:43-44]، هذه الآية أمر الله جلّ وعلا فيها أهل الشرك كفار قريش وغيرهم أن يسألوا أهل الذكر؛ يعني أهل الكتاب عما إذا كان الرسول الذي جاءهم بشر أم هو ملك؟ فإذا كان الرّسول الذي جاءهم بشرا فاقبلوا رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - لأنّه بشر قد خلت من قبله الرّسل، وقد وصف أهل الكتاب بأنهم أهل الذّكر؛ لأن الكتاب الذي أنزله الله جلّ وعلا هو الذكر، وأعلى الذكر القرآن كما قال سبحانه ?إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ?[الحجر:9]، وهنا في هذه الآية قال جلّ وعلا (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(43)بِالْبَيِّنَ اتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) قال العلماء: هذه الآية نازلة في سؤال أهل الكتاب ولكنّ عموم لفظها يشمل سؤال أهل القرآن وأهل السنة؛ لأنهم أحق ببيان ما نزل الله جلّ وعلا، ولهذا قال (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في تفسيره عند هذه الآية: وعموم هذه الآية فيها مدح أهل العلم، وأنّ أعلى أنواع العلم؛ العلم بكتاب الله المنزّل، فإنّ الله جلّ وعلا أمر من لم يعلم بالرّجوع إلى أهل العلم وأهل الذكر في جميع الحوادث، وفي ضمن ذلك تعديل لأهل العلم وتزكية لهم حيث أمر الله جلّ وعلا بسؤالهم وأنه بذلك يخرج الجاهل من التبعة.
إذن الأصل موجود في كتاب الله وأنّ المرء إذا جهل شيئا ولم يعلم حكمه فإنه يسأل عنه أهل العلم، وإذا سأل عنه أهل العلم -أهل الكتاب والسنة الذين رسخت قدمهم في ذلك- فإنّ تبعته في ذلك تزول؛ لأنه قد سأل مَنْ أمر الله جلّ وعلا أن يسأل، فمن جهل شيئا وسأل عن حكمه فأفتي من ثبت، فإنّ تبعته قد زالت وقد برىء من التبعة، فإذا امتثل ما أفتى به فيكون قد زال عنه المحذور؛ لأنّه امتثل ما أمر الله جلّ وعلا به في قوله ?فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ سؤال أهل العلم وسؤال أهل الذكر له أحوال، الناس يحتاجون إلى أن يسألوا ولابد، ولكن هذا السؤال من حيث هو له أحوال:
حالٌ من جهة السائل.
وحالٌ من جهة المسؤول.
فالسائل ينبغي له أن يراعي -تأدبا وحتى يصل المسؤول إلى الجواب الموافق للحقّ إن شاء الله- يجب على السائل أنْ يراعي آدابا وأن يراعي أشياء منها:
من تلك الأشياء التي يجب أن يراعيها السائل أن تكون مسألته واضحة غير ملتبسة –يعني أن يتبيّن المسألة قبل أن يسأل- والملاحظ أنّ من المسلمين مَنْ إذا جاء على باله مسألة أو واجهته مشكلة فإنه يأتي أهل العلم ويسألهم مباشرة دون أن يستحضر ويستعد لتفاصيل هذه المسألة، أو مباشرة يرفع الهاتف ويسأل العالم عما عرض له دون أن يستحضر ما اتّصل بهذه المسألة، فإذا استوضح المسؤول أتى العالمَ وسأله عن بعض التفاصيل قال: والله ما أعرف هذا فلان أوصاني، هذا كذا، لا أدري.
فلابدّ للسائل أن يستحضر تفاصيل المسألة قبل أن يسأل؛ لأنّ السؤال تسأل فيه عن حكم الله جلّ وعلا الذي إذا أدركته؛ يعني أدركت الحكم فقد برئت من التبعة، والمسؤول - العالم الذي يسأل - لابد أن تكون المسألة عنده واضحة وإلا فكيف يجيب على شيء ليس بواضح.
ولهذا ينبغي للسائل أوّلا أن يستحضر السؤال جيدا وأن يعدّ له في عبارة ملخصّة، لا تظنّ أنّ المسؤول، المفتي، طالب العلم الذي تأهّل للجواب لا تظنّ أن الذي يتصل عليه واحد فقط أو اثنين، اليوم مع الهاتف صار الذي يتصل من الداخل أو الخارج بأهل العلم عشرات الآلاف في السنة مثلا، وفي اليوم الواحد قد يتصل عشرين أو ثلاثين، فلهذا كان من الأدب الذي ينبغي مراعاته أن يستحضر السائل ضيق وقت المفتي، ضيق وقت المجيب على السؤال، فعليه أنْ يُعدّ السؤال بعبارة واضحة لا لَبْس فيها ولا غموض، ويجتهد في أن يعين المفتي على وقته، وحتى تكون المسألة أنفع؛ يعني لا تظن أن هذا الذي أجابك أو ردّ عليك بالهاتف من أهل العلم أنه لك وحدك، بل اعتقد أنّ الذي يسأل أهل العلم في اليوم عشرات الناس يسألون في كل وقت، فلابدّ من رعاية الحال والتأدبّ معهم في اختصار المسألة، وتقبّل الجواب بحسب ما أورد، فإذا كانت المسألة واضحة كان الجواب واضحا، ولهذا ترى أنّ أسئلة جبريل عليه السلام للنبي - صلى الله عليه وسلم - دليل على وضوح المسألة وما ينبني على وضوح المسألة من وضوح الجواب، قال جبريل عليه السلام للنبي - صلى الله عليه وسلم -: «أخبرني عن الإسلام» سؤال ملخص وواضح، «أخبرني عن الإيمان»، «أخبرني عن الإحسان؟» وعن أشراط الساعة قال«وما أمارتها» ونحو ذلك، فوضوح السؤال وقلة ألفاظه باستحضار تفاصيله ووضوح السؤال قبل أن تسأل هذا من الآداب التي ينبغي مراعاتها، وكثيرا ما تكون الإجابة غير واضحة؛ لأنّ السائل لم يحسن السؤال، فلو أحسن السائل الاستعداد للسؤال فسأل لكانت الإجابة واضحة.
من الآداب التي ينبغي مراعاتها في السؤال أنْ لا يسأل السائل أهل العلم عن شيء يعرف جوابه: بعض طلبة العلم، أو الذي لديهم إطلاع لديهم معرفة، يكون قد بحث المسألة وعرف ما فيها من الأقوال ونحو ذلك، فيأتي ويسأل، فإذا سأل وأجيب بجواب موافق لأحد الأقوال أتى باعتراضات، يقول: هذا ما دليله؟ هذا الدليل قُدح فيه بكذا، أو وجّه بكذا، قال بعض أهل العلم فيه كذا، ونحو ذلك. ففرق ما بين أن تسأل لتستفيد أو لتعلم وأنت لا تعلم وما بين أن تناظر.
والعالم أو المعلم ليست وظيفته ولم يفتح لك المجال لتناظره، ابتدئ له وقُل: أنا أريد أن أناظرك في المسألة الفلانية.
ما معنى المناظرة؟ معناها أجادلك فيها تعرف ما عندي وأعرف ما عندك حتى نصل إلى الحق، وهذا غير مطلوب مع عدم رعاية الأدب مع أهل العلم؛ لأن في ذلك بعض التّعدي على حق أهل العلم إلا إذا أفصحت له بأنك تريد أن تبحث معه هذه المسألة، فإذا أذن لك بالبحث فإنه عند ذاك تخرج المسألة من كونها استفتاء وسؤال وجواب إلى مسألة بحث واستفصال، وهذا أيضا يكون عند المتعلمين في مجالس العلم، فإنه يكون عنده معرفة بالجواب ولكن يسأل ليختبر -بعض الأحيان- أو ليعلم غيره بأنه سأل سؤالا جيدا ونحو ذلك.
وهذا الوقت الآن تقاصر عن أن نسأل عن شيء قد علمنا، فلنسأل عن شيء لم نعلمه، فلهذا كان مما ينبغي التأدب فيه أن لا تسأل عن شيء إلا عن شيء لم تعلمه، وذلك لأنّ الله جلّ وعلا قال (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) إنْ كنت تعلم فلا تسأل؛ لأنه قد جاء عندك العلم ووقت المفتي أو العالم أو طالب العلم ينبغي أن يُصرف في أشياء كثيرة والواجبات الآن يتقاصر عنها وقت الكثيرين، فكيف بالاستطراد ونحو ذلك.
من الآداب التي ينبغي مراعاتها أيضا في السؤال: أنْ لا تذكر للعالم قول غيره، بعض الناس يسأل أهل العلم بالهاتف -والهاتف الآن قرّب وأكثر من إشكالات الأسئلة- يسأل واحد وبعده يسأل الثاني وبعده يسأل الثالث والرابع، فهو يضطرب في المسألة، ثم بعد ذلك يذهب إلى شيء غير جيّد وهو أنه يذهب إلى أسهل تلك الأقوال، وهذا لا ينبغي، فإنه الذي ينبغي في السؤال أن تبحث عمّن تثق بعلمه ودينه في ذلك، كما قال أهل العلم: ينبغي للمستفتي أنْ يسأل من يثق بعلمه ودينه. فإذا وثقتَ بعلم فلان ودينه فإنّك تسأله ولا تسأل غيره؛ لأنك إذا سألت غيره فإنه قد يكون عنده من الجواب غير ما يكون عند الأول فتقع أنت في حيرة.
وفي حالٍ لك أن تسأل غير من سألت أولا، وذلك فيما إذا كان جوابه مشكل من جهة الدليل؛ إذا كان عند المرء معرفة ببعض الأدلة ونحو ذلك فأشكل عليه الجواب من جهة الدليل فإنّ له أن يسأل غيره لأنه ما اقنع بالجواب لا من جهة عدم مناسبته لحاله أو من جهة صعوبة الجواب أو أنه لا يناسب أو يريد أن يبحث عمن يخفف له؟ لا؛ ولكن من جهة أنه استشكل هل هذا حكم الله جلّ وعلا وحكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - في المسألة أم لا؟ لفهمه من بعض الأدلة والأحاديث خلاف ذلك.
فإذن من الآداب ألاّ تسأل أكثر من عالم في المسألة لأنّ كثرة الأسئلة هذه:
أولا: تضيق وقت العلماء.
والثاني: أنه يوقع ذلك السائل في إشكالات، وكثير من الذين سألوا يقولون: احترنا ما ندري، هذا يقول كذا وهذا يقول كذا. نقول: أنت الذي أخطأت أوّلا حيث سألت أكثر من عالم، سل من تثق بعلمه ودينه وخذ بفتواه وتبرأ أمام الله جلّ وعلا؛ لأن الله جلّ وعلا أمرك بأن تسأل أهل الذكر وقد امتثلت بسؤال أهل الذكر، فلا تزد على نفسك ثقلا وحملا.
من الآداب: أيضا أن لا تسأل حين تسأل بإلغاز في السؤال، مثلا هناك من يسأل ويقول: فلان من الناس حصل له كذا وكذا. وهو يريد أن يخرج عن مسألته بخصوصه إلى مسألة مشابهة، وهو يظن -هذا السائل- أنه إنْ أجيب على تلك فمسألته مثل تلك المسألة، فيقول مثلا: فلان لو حصل عليه كذا وكذا. ومسألته في الواقع تختلف عن تلك ولكنه يظن أنّ هذه وتلك سواء، فحتى لا يظن العالم أنّه هو الذي وقع في المسألة وهو الذي يحتاج إلى الجواب فإنه يعمم.
سؤال أهل العلم ليس فيه عيب بل هو شرف ويدل على حرص السائل على الخير ورغبته في إبراء ذمته وأن يكون متخففا من التبعة حين يلقى ربه جلّ وعلا، فحين تسأل لا تسأل أهل العلم بإلغاز، سَلْ عما وقع بوضوح ولا حرج في ذلك، فقد سألت بعض الصحابيات النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المرأة إذا رأت الماء؛ عن المرأة إذا احتلمت ماذا يكون حكمها؟ والحياء لا يكون في السؤال؛ لأنّ الحياء محمود ولكن فيما إذا كان الحياء يبعدك عن معرفة حكم في الدين فإنّ ذلك غير محمود كما جاء في الحديث.
فإذن من الآداب التي ينبغي لنا أن نُراعيها أن تسأل السؤال الذي تحتاجه، وأنْ لا تظن أنّك إذا ألغزتَ بالسؤال وأجاب أنّ الجواب مطابق على مسألتك، لو قلت له المسألة بوضوح والسؤال أو الحادثة التي تريد أن تسأل عنها بوضوح يكون الجواب مختلفا تماما، فلا تكن ملغزا في سؤال أهل العلم؛ لا عن مسألة فقهية ولا عن أشخاص ولا عن أحوال، بل ينبغي أن يكون السؤال واضحا وذلك من توقير أهل العلم ومن السعي للوصول إلى الجواب الصحيح، أما أن نعمي على أهل العلم حتى نحصل منهم على جواب، فإن هذا لا يوافقه ما ينبغي من توقير أهل العلم، وأيضا لا تبرأ به أنت لأنك أوقعت العالم في الجواب، ولو عرف السؤال على حقيقته ومرادك منه لربما أجاب بجواب آخر، فأنت لا تبرأ.
ولهذا نرى أن كثيرا من الإشكالات التي حصلت في تضارب أقوال بعض أهل العلم في بعض المسائل إما الفقهية أو المسائل الواقعة أو الاجتماعية أو نحو ذلك، إنما جاء من جهة من يسأل بسؤال ملغز معمى، أو يكون المراد وراءه وليس في ظاهره، وهذا لا ينبغي؛ لأنّ الله جلّ وعلا أمرنا بأمر واضح فتعدى هذا الأمر تعدى لما ينبغي من الأدب في السؤال.
من الآداب التي ينبغي مراعاتها في السؤال أن يكون السائل يسأل لنفسه وأن لا يسأل لغيره: يأتي كثير من الأسئلة يكون فيها سائل يقول: أحد الأقارب أوصاني يسأل عن كذا وكذا. أو يقول: لو حصل لفلان -صديق لي في العمل- حصل معه كذا وكذا وأوصاني لأسأل له. لم هو لا يسأل؟ يختلف الحال لأنّ المفتي أو العالم لابدّ أن يستفصل، لابدّ أن يسأل؛ ما الذي حصل؟ هل حصل كذا وكذا؟ فإذا كان السائل غير من حصلت له المسألة فإنه لا يكون ذلك معينا على الجواب إلاّ فيما كان السّؤال مختصرا وكان المانع من سؤال السائل هيبة العالم أو الاستحياء، كما فعل علي رضي الله عنه حيث كان رجلا مذّاءً -يعني كثير المذي- فاستحيا أن يسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمكان ابنته -يعني لأجل أنّ فاطمة رضي الله عنها زوج علي- فخشي أن يسأل وهاب أن يسأل واستحيا على رضي الله عنه أن يسأل في مثل هذا السؤال الذي له تعلق بالزوجة فأوصى المقداد أن يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن هذه المسألة وهي كثرة المذي، فسأله فأجابه النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم نقل الجواب إلى علي رضي الله عنه.
إذن الأصل أن لا يسأل المرء إلا فيما يخصه؛ لأنّ الجواب يختلف بحسب السائل وبحسب عرض السؤال، والناقل ليس دائما ينقل الصورة على حقيقتها، وكثيرا ما يحصل من الأجوبة ما ليس فيه دقة من جهة عرض السائل.
من الآداب المرعية في السائل أنه إذا سأل أهل العلم في الهاتف أو في غير الهاتف فلا يُسَجِّل الجواب مكتوبا أو على جهاز التسجيل إلا بإذن العالم: وقد مرّ عليّ بعض الإخوة مرة أنْ سجّل لأحد أهل العلم جوابا ليس كما ينبغي، وهذا راجع إلى أنّ العالم يجيب على قدر الاستفتاء، ولو أستحضر العالم أنّ هذا يسجل وأن الجواب سيسمعه آخرون لكان جوابه غير الجواب الأول...
فمن عدم توقير أهل العلم وعدم رعاية حقهم بل من الافتئات على حقهم أن تسجل جواب أهل العلم بالهاتف أو كتابة ثم تنشره دون إذنه؛ لأنه هو الذي له الحق في أن تنشر فتواه على الملأ أو لا تنشر أو لا تسجل، فالسائل سأل فيما يخصه، فهل أذن العالم لك أن تسجل السؤال والجواب بالهاتف؟ لم يأذن، فإذا أردت أن تسجل فتستأذنه في البداية وتقول: أحسن الله إليك أنا محتاج للجواب مسجلا على الشريط والآن أريد أن أسجله. فإذا أذِن تكون أنت قد أتيت بما ينبغي من الأدب، ولم تكن ممن لا يوقرون أهل العلم أو يجعلون الأمر غير واضح لهم؛ فيستغل بعض الفرص فيسجل عليهم ما لا يرغبون في تسجيله، لهذا مرة من المرّات حصل مثل هذا ولما سئل قال: أبدا ما قلت كذا وكذا على تفاصيله، بل المسألة فيها تفصيل بنحو ما. السؤال والجواب في التسجيل واضح، لِمَ قال العالم إنّ المسألة فيها تفصيل؟ لأنّه استحضر من المسألة الآن فيه أخذ ورد معنا ذالك فيه إشكال لكنه ظن حين سأله السائل بالهاتف أنها لا يعدو عن اهتمام السائل بنفسه.
إذن مما ينبغي من توقير أهل العلم -وقد أمرنا بتوقيرهم كما جاء في الأثر عن عدد من التابعين أمرنا بتوقير أهل العلم- ومن توقيرهم أن لا تفتئت عليهم بتسجيل أو كتابة وتنشر إلا بعد إقراره، حتى ما تسمعه منه في درس بشرح مسائل، لابد من تعرضه عليه فيقر أن ينشر أو يصور أو ينسخ أو يسجل إلى آخر ذلك، لابد من ذلك لأن ما يصلح للقليل قد لا يصلح للكثير؛ لأن الكثير يعني الأمة أو الناس تختلف طبقاتهم، قد يرعى العالم حين يتكلم الحاضرين؛ يرعى حال الذين أمامه، هذا لو استحضر أنه سيُنشر على الناس فيطلع عليه فئات من الناس وبعقول مختلفة لكان جوابه يختلف عن الجواب الأول، وبهذا ترون أن بعض الأسئلة التي يسأل فيها أهل العلم بالهاتف يكون الجواب مختلفا عما لو سئلوا مثلا في برنامج نور على الدرب، فيكون الجواب هناك في تفصيل وفيه دليل وفيه تعليل ونحو ذلك لأنه سينشر على الملأ، لكن الجواب لك يكون على حسب الحال يصلح هذا أو لا يصلح، يجوز أو لا يجوز، السنة كذا –باختصار-؛ لأنّ الوقت يضيق عن أن يفصل لكل أحد.
هذه من بعض الآداب المتعلقة بالسائل.
لعلنا نضيف من الآداب المتعلقة بالسائل أنْ لا يسأل السائل عن أشياء لا يفهمها إلا الخاصة ويثير السؤال أمام العامة -أمام الملأ-: يعني في مثل هذه المحاضرة يأتي سؤال قد لا يعلم معناه ولا يفهم جوابه إلا فئة قليلة من طلبة العلم، فلم تسأل أمام الناس؟ كذلك إذا حضرت في مجلس عند بعض أهل العلم فإنّ المجلس يحضر فيه العامي والمتوسط المثقف المتعلم طالب العلم فلا تسأل العالم أو طالب العلم عن سؤال إنما هو للخاصة يعني ليس العامة، وقد قال علي رضي الله عنه: حدّثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله. وقد بوب البخاري في (كتاب العلم) من صحيحه بقوله: (باب من خصّ بالعلم قوما دون آخرين كراهيةَ أن يقصر فهمهم عنه فيقعوا في أشد منه)، مثال ذلك أن يأتي -في مثل هذا الجمع المبارك ممن هم حريصون على الخير والأجر والثواب- يأتي ويسأل عن بعض المسائل الدقيقة في العقيدة، الناس يُطلب منهم المسائل العامة فيما يجب عليهم من العقيدة؛ لكن لا ينبغي أن تسأل عن المسائل الدقيقة أمام من لا يفهم الجواب فيما لو أجاب المسؤول عن السؤال، مثلا الكلام على بعض أحاديث الصفات التي قد لا يفهمها البعض، مثلا الكلام على بعض الآراء في مواقف يوم القيامة والاختلاف فيها ونحو ذلك، والكلام على بعض دقائق المسائل في الفقه واختلاف أهل العلم فيها هذا يقول كذا وهذا يقول كذا، العامة إنما يحتاجون قولا واحدا بدليله يمشون عليه، ولكن السؤال الخاص إنما يكون لأجل هذا السائل ولمن هم في طبقته، ولهذا ينبغي أن تُفرق فرقا مهما بين السؤال والبحث -بين السؤال الذي تحتاج معه إلى جواب وبين بحث المسألة- فتارة يكون السائل يريد بحث المسألة في المقام ويعرضها بصيغة سؤال، وهذا غير مناسب، ولهذا نقول لا تسل عن أشياء لا يفهمها إلا الخاصة فمن أدب السؤال أن تسأل بما يناسب الحال بما يناسب المقام، وألاّ تسأل عن أشياء لا يستوعب الجواب عليها أكثر الحاضرين.
من الآداب أيضا أنك إذا سألت فأجبت أو سمعت علما فإنّك تستفصل فيه أو تسترجع فيه حتى تفهمه: لأنّ بعض أهل العلم قد يكون جوابه سريعا، مثلا تسأل أنت وقد أتيت بأدب السؤال؛ فراعيت السؤال وأتيت بكلمات واضحة وتأنيت فيه واستوضحت الصورة والمسألة، فأوضحت على العالم فيكون الجواب سريعا، يكون جواب العالم ربما سريعا، فهنا ينبغي لك أنْ لا تأخذ ما علق بذهنك في هذه الحال بل إذا كان عندك اشتباه فتستفصل منه أو تسترجعه في الجواب حتى تفهمه، قد روى البخاري في صحيحه عن ابن أبي مُليكة أنه قال: كانت عائشة رضي الله عنها لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه. وقد بوب عليه البخاري أيضا في (كتاب العلم) من صحيحه.
فالأدب الذي كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم أنهم إذا سمعوا شيئا يَستشكل عليهم فإنهم يراجعون حتى يفهموا، حتى لا ينقلوا للناس نقلا خاطئا أو حتى لا يعلم بشيء غير واضح.
فإذن هذا ينبغي للسائل إذا أجيب ولم يتضح له جواب أن لا يترك السؤال على الجواب الذي هو غير واضح فيذهب يعمل بشيء غير واضح، بل يسترجع ولا بأس أن يقول: ما فهمت الجواب. أو يقول: هل كذا أو كذا. فيستوضح حتى يكون الجواب واضحا قارًّا في ذهنه.
من الآداب التي ينبغي للسائل مراعاتها أن يكون لبقا مع أهل العلم متأدبا معهم، وأن يكون لأهل العلم هيبة في صدره وتوقيرا في قلبه: فإنّك إذا زدت في احترام العالم وشعر بذلك منك فإنه يزيدك من العلم والجواب لأنك قد تحققت بالزيادة؛ يعني أصبحت متأهلا للزيادة؛ لأنّ دليل تأهّل طالب العلم للتفصيل في الجواب والاستفادة الكاملة من العالم أن يكون متأدبا معه، ما يأتي مثلا ويستعمل كلمات غير جيّدة أو كلمات فيها جفاء، بل يتأدب ويتحيّن الفرصة الجيّدة للعالم فيسأله.
هنا تنتبه إلى أنّ أوقات العالم تختلف، فهناك وقت قد يكون مناسبا لك لا يكون مناسبا له، فيكون الجواب الذي جاءك بحسب حاله هو، قد يكون مستعجلا، قد يكون وراءه أمر، قد يكون وقت الصلاة قرب فيريد أن يستعد بوضوء أو نحوه، قد يكون وقت نومه، قد يكون عنده ما يشغله، قد يكون في البيت شيء أهمّه، قد يعالج في ذهنه مسألة من المسائل التي في المجتمع أو التي يريد أن يبذل فيها بعض الشيء فيكون ذهنه منشغلا، فينبغي أن تراعي حال العالم حيث تسأله فتقول له هل هذا وقت مناسب للسؤال أو أرجئ السؤال إلى وقت آخر، فإذا قال: أرجئه إلى وقت آخر. فيكون هذا زيادة في أدبك وأجر لك ويكون قد راعيت وتأدبت، وإذا أتى وقت آخر وسألته يكون مهيأ نفسه لأنْ يفصّل لك ويجيب المسألة بما ينبغي، فالمتصل دائما هذا وارد هو المرتاح، وأما المتصل به فلا يُدرى حاله، فهذا يظن أنه ينبغي له أن يقول العالم له كذا وكذا، وأن يرحب به بأعظم ترحيب وأن يفصل له أعظم تفصيل، لا يدري ما حال المتصل به، أحوال الناس في بيوتهم أو في أعمالهم مختلفة وقد يكون الذّهن منشغلا بتلك الحال فقد يكون وقد يكون، فينبغي أن يراعي ذلك وأن لا يظنّ أنّ المسؤول أو طالب العلم إذا سُئل أنه دائما ذهنه في نفس المستوى وفي نفس التأهيل بأن يجيب دائما جوابا مفصلا بأدلته إلى آخره، لهذا لو تذهب وترى في المدوّنة مثلا التي دُونت فيها أسئلة مالك وبعض أصحابه والأجوبة، وكذلك أسئلة الشافعي، وكذلك أسئلة أصحاب أحمد لأحمد، لا تجد الأجوبة متفقة من حيث التفصيل وعدمه، فتجد بعض أصحاب أحمد -لو رأيت المسائل المختلفة عن أحمد- تجده يسأله سائل فيكون الجواب: لا يصلح هذا، أكرهه. وفي مسائل أخر تجد أنه يفصّل، لِمَ في موضع اختصر وفي موضع فصّل؟ نحن نقرأ الكتاب لا نستحضر الحال التي سُئل فيها ذاك السؤال والحال التي سُئل فيها السؤال مرّة أخرى، وإنما نقول: لِمَ فصل في موضع وفي موضع لم يفصل وإنما أجاب بإجابة مختصرة؟ واقع الحال وواقع العالم النفسي والذهني والزمني والمكاني يفرض عليه أشياء كما سيأتي أيضا، ولهذا ينبغي أن يراعى ذلك في حال سؤال أهل العلم.
ابن عباس رضي الله عنهما حَبْر الأمة في القرآن وحِبْرها؛ يعني كثير العلم في كتاب الله جل وعلا بدعوة النبي - صلى الله عليه وسلم -، مكث زمانا طويلا تردّد في نفسه مَن المقصود بالمرأتين في قول الله جلّ وعلا ?إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ?[التحريم:4]، من المرأتان؟ قال ابن عباس: تردد ذلك في نفسي زمنا طويلا، وهِبت أن أسأل عمرا لأنّ عمر كان يحب ابن عباس وكان يقدمه في المجالس ويباهي به كبار الصحابة لما يظن ويلمح فيه من علم وتُؤدة وأدب وفهم عنده في الكتاب والسنة. قال ابن عباس: هبت أن أسأل عمر عن المرأتين اللّتين تظاهرتا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: حتى كان منصرفه مرّة من الحج فصحبته فقال لي: يا ابن عباس قرّب لي وَضوءا -يعني ماء-. فلما قرّبت له الوضوء قلت له في أثنائه يا أمير المؤمنين مَن المرأتان اللتان قال فيهما الله جل وعلا (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا)؟ قال: فأجابني عمر فقال: عائشة وحفصة. وكان ابن عباس ربما توسد بردته في يوم حار عند باب أحد الأنصار ليستفيد منه علما، سمع عنده حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فأراد أن يتثبّت منه أو أراد أن يأخذه منه مباشرة، فيأتي فيطرق الباب فيقولون هو قائل -يعني نائم- أو هو في الدّار أو مثل ما يقول أحدنا اليوم هو مشغول أو نحو ذلك فانتظر، انتظر حتى خرج فلما خرج قال: يا ابن عمّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منذ متى وأنت هنا؟ فقال ابن عباس: منذ كذا وكذا. وكان يتوسد البردة وتسفي الريح التراب عليه تذللا في العلم واحتراما لأهل العلم، فلما رآه على هذه الحال انشرح صدر المسؤول أن يجيبه عما أراد وعظُم في نفسه، فكان ابن عباس إذا سأل أُجيب غير كثير ممن هم في طبقته من الصحابة رضي الله عن الجميع، ولهذا قال كلمته المشهورة: ذللتُ طالبا فعززت مطلوبا. يعني لمّا كنت طالبا كنت أذلّ لمن أستفيد منه ولكن لما أحتاج الناس إلي عززت مطلوبا؛ لأنه صار عندي من العلم ما ليس عند غيري. (1)
وقد قال ابن عباس لبعض الأنصار -وكان صديقا له- اذهب بنا يا أخي إلى صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نسألهم عن العلم ونستفيد منهم، فقال: ذاك الأنصاري يا ابن عباس أتظنّ النّاس سيحتاجون إليك وهؤلاء صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكبار بين ظهرانيهم. قال: فتركت العلم والسؤال وذهب ابن عباس يسأل. ذهب كبار الصحابة فأتى زمن ابن عباس فيه هو من كبار صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاحتاج الناس إلى علمه وأصبح يجيب الناس بما فتح الله جلّ وعلا عليه ومنّ عليه من العلم، الشاهد من ذلك أنّ السائل والمتعلم يحتاج إلى أدب وهو مراعاة أهل العلم وأن لا يضيق بالعالم إذا لم يفتح له صدره دائما، بشر هو ، أحيانا يكون على حال وأحيانا يكون على حال أخرى؛ وهذا لعله من أسباب عدم إكثار الصحابة سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - تأدبا معه وتوقيرا له عليه الصلاة والسلام وحتى يكون ذلك أبلغ في الأدب معه عليه الصلاة والسلام.
هذا من جهة أدب السائل
.

 

توقيع : techno
جزاك الله كل خير أخي الكريم
 
توقيع : سعود
جزاك الله عنا الف خير
وكتب هذا في ميزان حسناتك
ونفع بك وبمواضيعك جميع الاعضاء والزوار
تحياتي
 
توقيع : امبراطور الظلام
بارك الله فيك وجزاك الله خير​
 
9af720ae05.gif
 
توقيع : الحارس
جزاك الله خير اخي العزيز

وجزا الله فضيلة الشيخ صالح ال الشيخ خير الجزاء
 
توقيع : sport
عودة
أعلى