كريم الجنابي
مدير عام للمنتدى والمكتبة الالكترونية
طاقم الإدارة
طـــاقم الإدارة
★★ نجم المنتدى ★★
نجم الشهر
عضو المكتبة الإلكترونية
عضوية موثوقة ✔️
كبار الشخصيات
غير متصل
من فضلك قم بتحديث الصفحة لمشاهدة المحتوى المخفي

عثرات الطريق

1- المهلكات
في سيرة الحياة يسعى المسلم للمنافسة في الخيرات مستحضراً قوله سبحانه في الحديث القدسي : ( وما تقرب إلي عبدي بشيء
أحب إلي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ... ) الحديث - صحيح البخاري برقم 6502- .
فالمسلم وهو يقرأ هذا الحديث قراءة متأنية ، يدرك الأولويات في الأعمال بعد الإيمان بالله سبحانه وتعالى ، وهذه الأولويات هي
المقربة إلى حب الله سبحانه ، وحبه سبحانه للعبد درجات بقدر ما يتقرب به هذا العبد ، وأول الأولويات هو العمل بما فرضه الله
سبحانه ، والمحافظة على ذلك ، وإتقانه . ثم النوافل ، وبقدر حسنها والمواظبة عليها وزيادتها يقرب من ربه جل وعلا .
والعاقل من يدرك ذلك ، ويعمل ، على هذا المنهج ، ويستغل كل عوامل الزمان ، والمكان ، والحال، ويضع برنامجه وفق هذا المنهج
العظيم حتى يلقى الله جلَّ وعلا . وفي مقابل ذلك يحذر الحذر الشديد من عثرات الطريق المعرقلة للمسيرة الحياتية .
كما يحذر أشد من ذلك من المهلكات القاتلة التي تحبط المنتج كله ، وتفسده فتقضي عليه .

وفي هذه الأسطر إشارة إلى بعض الأمثلة في ذلك :-
فمن العثرات :- عدم وضوح منهج العمل الذي يعمله المسلم ، فتارة يعمل كذا ، وتارة يتركه ، ولا يدري لم عمل هذا ولم تركه ،
ولا يدرك أصلاً قيمة هذا العمل ، فيضعف تجاهه ، وهذا من الخطورة بمكان حيث قد يرتد الإنسان عن عمل كان فيه من أشد
المنافسين فيتأخر ، وهذا يجيب على معرفة السر في شكاوى كثيرين أنني أبدأ عملًا ثم أتركه ،
وهو في الأصل لم يتصوره ويتصور أهميته .
- ومن العثرات : عدم أخذ الزاد، فالمعالي ، والعلو يحتاج إلى جهد والطريق طويل ، وقد يكون شاقًا فيحتاج إلى التزود بما يساعده
، وأعظم الزاد اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء المستمر بالثبات في الحياة وبعد الممات ، ومن الزاد قراءة القرآن بتدبر وخضوع وخشوع ،
وتصور لما يحويه من العقائد والفوائد والفرائد .
- ومنها : أكل الحرام فهو في ذاته معيق إذ هو من الكبائر ، وهو مانع لغيره من الطاعات ، فهو يمنع إجابة الدعاء ويجلب سخط
المولى ومدخل من مداخل الشيطان ، وينبت الجسد من الحرام .
- ومنها : عدم تصور أثر الرجاء والخوف اللذين هما كجناحي الطائر للعبد وقد كثر ذكرهما في القرآن ، وهما من حادي الطريق ،
والعلامات المضيئة ، إذا غفل عنها العبد أطفئت هذه الإضاءات فيفتر العبد ، ويقل عمله ، تصوّر قوله سبحانه : (ولمن خاف مقام
ربه جنتان ) سورة الرحمن 46 فتظهر الآية أثر الخوف .
- ومنها : حب ظهور عمله ، ولو كان بحجة أن يراه الناس وهو قدوة لهم ، وهذا قد يعود إلى العجب وهو من الصنف الثاني المهلك
ومن علاج ذلك حرص العبد على أن يعمل أعمالاً جليلة ، لا يعرفها أحد فتكون خاصة بينه وبين الله جلَّ وعلا .
- ومن العثرات : عمل المعاصي المتنوعة التي تقف حجر عثرة في تقدم المسلم بعمله فتفسد عليه ما كان يعمله كالغيبة ، والنميمة
، والكذب ، والشك ، والبهتان ، ومن المعلوم أن المعصية قد تمنع طاعة ، وقد تمنع الرزق كما جاء في الآثار الكثيرة ، وكان كثير
من السلف يخشى هذه المعاصي من منعها للطاعات ، فبعضهم يقول : حُرمت قيام الليل لمعصية عملتها ، كما جاء عن ابن المبارك
والشافعي وغيرهم ، وأحوالهم في ذلك كثيرة لعل الله أن ييسر الإسهاب فيها في مقالة أخرى .
تلك إشارات عابرة لهذه العثرات ،

أما الأخطر فهو المهلك ، وقد يقع فيها الإنسان من حيث لا يشعر ومن أخطرها :
- الشرك بالله سبحانه شركاً أكبر ، وهذا معلوم ، لكن قد يكون من الشرك مالا يحسبه المسلم كذلك ، وهذا من الخطورة العظيمة كمن
يصر على دعاء غير الله عز وجل ، أو يدعو أصحاب الأضرحة والقبور بدل أن يدعو لهم ، وغيرها مما يجب التنبه له .
- ومنه السخرية والاستهزاء بالله تعالى أو برسوله صلى الله عليه وسلم أو بشرعه بشكل واضح وصريح ، أو بدعوى الطرفة
والنكتة ،أو بدعوى عدم تقبل العقل ، أو بأي حجة من الحجج التي يمليها الشيطان أو النفس الأمارة بالسوء أو الإعجاب بما عند الآخرين
ونحو ذلك ، وهذا من أبرز ما ظهر في الآونة الأخيرة وبخاصة في وسائل الإعلام المختلفة ، ومن علاج ذلك : التأمل والنظر ، والتفكير
الجاد كما قال الله تعالى : ( قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة ) سورة سبأ 64
- ومنه : العُجب في عمل الإنسان لنفسه فيعجب بعمله وتميزه ، والعُجب محبط للعمل ، وفي هذا قصة الرجل الذي أعجب بطاعاته
وتألى على الله تعالى بأن لا يغفر لفلان ، قال الله تعالى
2612 وما قاده إلى ذلك إلا إعجابه بنفسه ، والإنسان عليه أن يعمل ويرجوا الله قبول عمله ، ويخشى رده .
- ومما يدخل في ذلك : إبراز عمله وإظهاره للناس وتحري ردود الفعل بالثناء والمدح ، ومع الوقت يتجذر مثل هذا الفعل في النفس
، ويندرج تحت هذا المراءاة بالعمل ، وإن ادعى صاحبه أن ليس كذلك فالأمر ليس سهلاً ، وقد أخبر عليه الصلاة والسلام أن الشرك
الخفي : أخفى من دبيب النملة السوداء ، على الصخرة الصماء ، في الليلة الظلماء ، وهو من أقصر الطرق لمحبطات الأعمال .
و وسائل الاتصال المعاصرة لها دور كبير في غرس هذا المعنى في النفوس وبخاصة عندما تبرز الأعمال الشخصية ويطلب صاحبها
التجاوب معها ، أظن ذلك محلاً للتأمل .
- التشكيك في ما هو معلوم من الدين بالضرورة ، كالتشكيك في الواجبات القطعية، أو المحرمات القطعية .
وفي الوقت نفسه التساهل في غيرها بحجة أنها ليست قطعية وإبرازها للناس لتتخير منها ما شاءت فكان مثل هذا يوحي للناس بالعبث
في القضايا ، حتى يصل الأمر إلى ترك كثير من الأعمال الصالحة أو التساهل في المحرمات .
- ومن ذلكم : النفاق وهذا لا يحتاج إلى تفصيل فهو معلوم لكل مسلم ، يكفي أن الله سبحانه وتعالى جلّى معانيه في القرآن الكريم
بتفصيل واضح وبيّن ، لكن الإشارة هنا لما قد ظهر من ظواهر هي من سمات المنافقين للحذر منها .
تلكم بعض عثرات الطريق التي يحتاج المسلم لاستظهارها وعدم التساهل فيها ، والحذر منها حتى لا يقع فيها من حيث لا يشعر أو
لا يشعر ، أما كيف يتقيها فهي المقالة القادمة بإذن الله تعالى .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى و وقانا شر المهلكات والمحبطات ، و أعاذنا من كل شر وفتنة ، إنه قريب مجيب .

2- المنجيات
في المقالة السابقة كان الحديث عن قضية مهمة وهي عثرات الطريق للمسلم بنوعيها : المؤخر للأعمال والإنتاج ، والمحبط لها
إحباطاً كلياً ، وضُرب لذلك أمثلة لكلا النوعين على سبيل التمثيل لا الحصر .
وفي هذه المقالة أشير إلى ما يقي من الوقوع في هذه العثرات ، وما ينجي منها عند الوقوع فيها – لا قدر الله - وأيضاً ما أذكره هنا
على سبيل التمثيل لا الحصر ، ومن ذلكم :
1- حسن التصور للدين ، والتكليف به ، وعظم الأثر لذلك في الدنيا والآخرة ، فإذا تصور المسلم أثر الشهادتين ، فلن يتردد في ذكر الله
تعالى فيهما ، وكذلك الصلوات و الزكوات وغيرهما من الواجبات ، وهذا يدعو المسلم إلى تعلم ذلك ليزداد يقينه ، ومن هنا كان العلماء
هم أكثر الناس خشية لله سبحانه: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) [فاطر:28]
2- الأعمال القلبية والاهتمام بها كالإخلاص والخشية ، والرجاء ، والمحبة ، وتعظيم الله سبحانه ، وأمثالها مما يعطي القلب قوة نحو عمل
الطاعات والقربات ، والحذر من القرب من حدود الله جل وعلا ، وهذا يدعو المسلم – أيضاً – إلى ضرورة تصورها والعمل بها .
3- العمل بالفرائض ، وعظم الوقوف عندها ، والاهتمام بها ومن أهمها : الصلوات الخمس ، وبقية أركان الإسلام ، وغيرها من الواجبات
، وهي من أعظم محبوبات الله تعالى كما جاء في الحديث القدسي : ( وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ، وما يزال
عبدي يتقرب إليَّ بشيء من النوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به .. )
الحديث [صحيح البخاري برقم: 6502] ، وهذا يقي بإذن الله من الوقوع في تلك المهلكات .
4- الحرص على صواب العمل بالاقتداء بمحمد صلى الله عليه وسلم فالتأسي به ، والعمل بمنهجه ، رادع من الزلل ، غلواً أو تقصيراً ،
والوقوف عند هذا المنهج القويم ، يقول عليه الصلاة والسلام في شأن الصلاة: (صلوا كما رأيتموني أصلي) [صحيح البخاري برقم:631]
وفي النهي عن التجاوز يقول عليه الصلاة والسلام : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) [صحيح البخاري برقم: 2697
وصحيح مسلم برقم: 1718] ، وهذا المعنى الكبير من أقوى ما تسد به منافذ الشيطان .

5- من المهم أن يضع المسلم لنفسه أعمالاً صالحة لا يعلم بها إلا الله سبحانه وتعالى، ويجتهد فيها حتى تمحص نفسه من كل ما يعكر
صفو القلب ، وسلامته وتصفيته من شوائب الرياء والسمعة وطلب الدنيا، وقد جاء الحديث الصحيح: (سبعة يظلهم الله في ظله ، يوم
لا ظل إلا ظله .. وذكر منهم : ورجل تصدق بصدقة لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) [صحيح البخاري برقم: 660 وصحيح مسلم برقم:
1031] وبلا شك أن خفاء العمل والاستمرار في ذلك يعين أيضاً على قوة القلب ، وتعلقه بالمولى ، ويسد على الشيطان المنافذ.
6- إلزام النفس بأعمال اليوم والليلة، و أعمال الأسبوع، والشهر والسنة، مثل: الواجبات كالصلوات، وفي الأسبوع : كصلاة الجمعة ،
وفي السنة : صيام رمضان ، ويضع لنفسه حداً أدنى من المستحبات : ففي اليوم والليلة : السنة الراتبة ، والوتر ، ومن الأذكار :
أذكار الصباح والمساء ، وفي العلاقات : بر الوالدين وصلة الرحم ، ومن له حق ، وفي الأسبوع : صدقة الأسبوع ،
وفي شهر رمضان له برنامجه الخاص ، وهكذا .إن هذا الإلزام كفيل بإذن الله أن يسهل الأعمال على صاحبها ، ومع
الاستمرار لا يتركها ، ويكتب له أجرها حال السفر والمرض والانشغال
، وتستمر له بعد حياته ، وتقيه عثرات الطريق .
7- اللجوء إلى المولى دائماً وأبداً ، وأخص بالذكر :
- القرآن الكريم ، فيكون له نصيب يومي لا يتنازل عنه .
- الذكر ، فيكون له حد أدنى لا يقصر فيه .
- الدعاء باستمرار ، ولا يمل من ذلك .
فمن وصل الله ، وصله الله ، ومن حفظ الله ، حفظه الله ، كما جاء في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما :
( احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ) [سنن الترمذي برقم: 2516] وفي رواية ( تعرّف على الله في الرخاء ، يعرفك في الشدة )
الحديث [مسند أحمد برقم: 2800] .
هذا اللجوء المستمر يجعل العبد في حفظ الله ، ورعايته ، ومعيّته ، وحمايته ، كما قال عليه الصلاة والسلام لأبي بكر رضي الله عنه وهما
في الغار : ( ما ظنك باثنين الله ثالثهما ) [صحيح البخاري برقم: 4663 وصحيح مسلم برقم:2381]،
وهي أكبر نعمه ومنحة لمن حافظ على ذلك .
8- محبة الآخرين ، وحب الخير لهم ، وعدم تمني الشر لهم مهما كانت علاقته بهم ، فلا تقتصر محبته على المحبين له ، بل لعامة المسلمين
، وقد بُعث عليه الصلاة والسلام لإشاعة هذه المعاني العظيمة كما في قوله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) [الأنبياء: 107]
والرحمة من مقتضيات المحبة ، وقال عليه الصلاة والسلام : ( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان .. وذكر منهم : وأن يحب المرء
لا يحبه إلا لله ) [صحيح البخاري برقم: 16 وصحيح مسلم برقم: 43] وهذه المحبة تسد باب الحسد والحقد والضغينة ، والكره والبغض ،
وإذا سد المسلم عن قلبه هذه الأمراض حُمي بإذن الله من عثرات الطريق المهلكة والمزعجة .
9- العيش في هذه الدنيا بالتفاؤل في كل خير ، وطرد اليأس والقنوط ، فيستبشر بما عمل من الخير ، ويستبشر بكل ما يحصل له ، ولو كان
في ظاهره أنه شر ، ويستبشر حتى في حال المحن والشدائد ، فاليأس والقنوط من سلاح الشيطان الذي يتسلل منه إلى القلوب ، ويقعد عن
العمل ، وينظر إلى النتائج السلبية ، ولذلك جاء الحث على التفاؤل والنظر إلى المستقبل بعين الفرح ، وسد باب اليأس حتى لا يقع المسلم
فريسة للشيطان ، فيتعثر في طريقه وربما يبعده عن كل خير .
10- ألا تدع يوماً إلا وقد عملت جديداً فإنك إن لم تتقدم ستقف ، وإن وقفت ستكون عرضة للسقوط ، أو التأخر ، والكون كله مبني على
الحركة ، فإن لم تتحرك تحرك الشيطان ضدك ، فيقعدك ومن ثم تقع في المحظور.
إن معرفة عثرات الطريق ، ومعرفة الوقاية منها قبل وقوعها ، وعلاجها بعد وقوعها كفيل بإذن الله للثبات والمواصلة والاستمرار على
سلامة الطريق حتى يلقى العبد ربه بذلك ، ثبتني الله وإياكم على قوله الثابت في الحياة الدنيا والآخرة ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
==========
شبكة السنة النبوية وعلومها

