حفظ الأسرار من الأمانات التى حث الإسلام عليها، ورغب فيها، فعن جابر بن عبد الله أن رسول الله قال :» إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ الحَدِيثَ ثُمَّ التَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ» ، والسر أيضًا نوع من الوفاء فى قوله تعالي:” وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ»ـ أَيِ الَّذِى تُعَاهِدُونَ عَلَيْهِ النَّاسَ، وَالْعُقُودَ الَّتِى تُعَامِلُونَهُمْ بِهَا، فَإِنَّ الْعَهْدَ وَالْعَقْدَ : كُلٌّ مِنْهُمَا يُسْأَلُ صَاحِبُهُ عَنْهُ» إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا» ؛ أَيْ: عَنْهُ « ، كما أن حفظ الأسرار من علامات المروءَة والنبل ، وسئل الأحنف بن قيس: ما المروءة ؟
قال: كتمان السر، والبعد عن الشر . والإفصاح بالسر دون إذن صاحبه يُعد خيانة، فإن كان فى إفشاء السر ضرر؛ فإفشاؤه حرام باتفاق الفقهاء، والضرر عام فى كل ما يؤذى الإنسان، وأما إذا لم يتضمن ضررًا؛ فالمختار عدم جواز إفشائه متى ما طلب منه الكتمان، أو دلَّ الحال على ذلك، أو كان مما يُكتم فى العادة. قال الحسن -رحمه الله: «إنَّ من الخيانة أن تُحدِّثَ بسِرِّ أخيك». وقيل: «الصبر على القبض على الجمر أيسر من الصبر على كتمان السر». فهو إذن يقع من المنظومة الأخلاقية بموقع عالٍ وغالٍ ونفيس، وهو من أكثر الاختبارات صعوبة لأى شخص ما ، ولأن إفشاء الأسرار يؤدى إلى النزاعات بين أبناء المجتمع المسلم، ويؤدى إلى الوقيعة بين أبناء الأسرة الواحدة ، ويؤجج نار الخصومة بين جميع الأفراد، وقد يكون فى إفشائه إزهاق روح أو تمزيق عرض .
وكتمان السر من أقوى أسباب النجاح، وأدوم لأحوال الصلاح، ولأن النبى صلى الله عليه وسلم يقول: استعينوا علي الحاجات بالكتمان، فإن كل ذى نعمة محسود”، وقال بعض الأدباء : من كتم سره كان الخيار إليه، ومن أفشاه كان الخيار عليه» ، وقال الراغب الأصفهاني: «إذاعة السِّر من قلة الصبر، وضيق الصدر، وتوصف به ضعفة الرجال والصبيان والنساء». وكان يقال: الكاتم سرَّه بين إحدى فضيلتين: الظَّفر بحاجته، والسلامة من شرِّ إذاعته.