غير متصل
من فضلك قم بتحديث الصفحة لمشاهدة المحتوى المخفي


أن الإنسان ينبغي أن يكون التفكر النافع سمة له؛ من أجل أن يحصّل المطالب العالية في الدنيا وفي الآخرة، فيفكر فيما ينفعه، وفيما يحتاج إليه في آخرته، وفي دنياه، يتبصر في عمله، ويتبصر فيما ينتظره حينما يوافي في قبره، وحينما ينتقل إلى الآخرة، وما يصير إليه في دار الخلد إما إلى جنة وإما إلى نار، يفكر فيما يأخذه في هذه الدنيا، وما يعطيه، وما يتعامل به ويتعاطاه أنه إن أخذ شيئًا من الحرام فسيدفعه غدًا غالي الثمن في يوم لا درهم فيه ولا دينار، إنما هي الحسنات والسيئات، يفكر حينما يطلق لسانه في أعراض الناس أنه سيدفع ثمن ذلك، يفكر في هذه الأرض التي يأخذها بغير حقها أنه يطوَّق ذلك من سبع أرضين يوم القيامة، يفكر حينما يقتطع حق مسلم فإنه قد يكون ذلك سببًا لحرمانه من الجنة، ولو كان ذلك يسيرًا، يفكر في الظلم وأنواع المظالم، وأنها ظلمات يوم القيامة، ويفكر فيما يعمله من الأعمال الصالحات فإنه حينما يصوم يومًا في سبيل الله يباعد الله بينه وبين النار سبعين خريفًا -سبعين سنة، وهكذا، ويفكر أيضاً في مخلوقات الله تبارك وتعالى ؛ ليستدل على قدرته وعظمته وعلمه الشامل المحيط وما أشبه ذلك، ويتجنب أنواع التفكير الضار، سواء كان ذلك من قبيل التفكير في ذات الله تبارك وتعالى ؛ لأن هذا لا يجوز لأن العقول لا تحيط بكنهه وعظمته تبارك وتعالى ، فلا يجوز للإنسان أن يفكر في ذات الله، وإنما يفكر في أفعاله ومخلوقاته، ويستدل بهذه المصنوعات على عظمة الصانع، ولكنه لا يشغل قلبه بالتفكير في ذاته، كيف يده؟ كيف وجهه؟ كيف كذا؟ كيف كذا؟، فإن هذا أمر لا سبيل إلى الوصول إليه، فنحن نقف عند ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله ﷺ ونؤمن بذلك على حقيقته، ولكننا لا نخوض فيما لا تبلغه عقولنا.
وكذلك يتجنب التفكير الضار الذي يدخله في أودية الوهم والخيال فيما لا طائل تحته، ولكنه يكون واقعيًّا بعيد الهمة عالي الهمة سواء في مطالب الآخرة أو مطالب الدنيا، النبي ﷺ يقول: إذا سأل أحدكم الجنة فليسأل الفردوس الأعلى فإنه أعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن ، فيكون عالي الهمة في طلب الجنة، وكذلك عالي الهمة في الدنيا، لكن دون أن يغرق في الخيال، فالإغراق في الخيال لا يجلب له نفعًا، وإنما ذلك عمل البطالين، وكما يعبر ابن القيم -رحمه الله: عمل القلوب الباطولية، يعني القلوب التي تكون بطّالة لا تشتغل بالأمور الواقعية، مثل: الإنسان الذي يفكر يقول: لو وجدت كنزًا كيف سأصرفه؟، كيف سأتصرف به؟، تفكير في خيالات لا تنفعه ولا تجدي عنه شيئًا، لو صرتُ ملكًا ماذا سأصنع؟ وكيف سأفعل؟، وكيف...؟، وهكذا لو أنه فكر وقال: لو أنني حصلت على مثل ملك قارون ماذا سأفعل بهذه الأموال؟، وكيف أصرفها؟ وماذا أعطي أقاربي؟، أو يقول لقرابته: إذا حصلت على جائزة قدرها مثلاً مائة مليون ريال أنت سأعطيك سيارة كذا، وأنت سأعطيك سيارة كذا، وأنت سأعطيك أرضًا كذا وبيتًا كذا، يسبح في الخيالات، فهذا لا ينفع.
وكذلك أيضاً الذي يغرق في المبالغة والخيال مثل الذي يقول: إنه سيشتري مثلاً مثل هذا الماء بنصف ريال ثم يبيعه بريال ثم يبيعه بريال ونصف، ويشتري ثانيًا وثالثًا ورابعًا وخامسًا وعاشرًا ثم يصير يملك الملايين من خلال هذا، نقول: هذا إغراق الخيال، فينبغي للإنسان أن يكون واقعيًّا في التفكير.
كذلك من التفكير الضار أن يفكر الإنسان في الجريمة والمعاصي، وكيف يتوصل إلى الشهوات المحرمة، فكل هذا من التفكير الذي يضر ولا ينفع، فالتفكير طاقة لا تتوقف يمكن للإنسان أن يغمض عينه ويسد أذنه ولكن التفكير لا يتوقف؛ ولهذا القلب يقال له: قلب؛ لكثرة تقلبه، ويقال له: فؤاد؛ لكثرة تفؤّده، أي توقده بالخواطر والأفكار والإرادات فهو لا يتوقف أبداً، فإما أن يفكر بالخير، وإما أن يفكر بالشر، فينبغي للإنسان أن يراعي هذا المعنى، وأن يفكر فيما يجدي له نفعًا ويقربه إلى الله -تبارك وتعالى.
لفضيلة الشيخ : د / خالد بن عثمان السبت

