غير متصل
من فضلك قم بتحديث الصفحة لمشاهدة المحتوى المخفي
كثيرا ما يقرن الله في كتابه بين ذكر عاد وثمود ، كما في سورة براءة ، وإبراهيم ، والفرقان ، وسورة ص ، وسورة ق ، والنجم ، والفجر .
ويقال : إن هاتين الأمتين لا يعرف خبرهما أهل الكتاب ، وليس لهما ذكر في كتابهم التوراة ، ولكن في القرآن ما يدل على أن موسى أخبر عنهما ، كما قال تعالى في سورة إبراهيم : وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات [ إبراهيم : 8 - 9 ] الآية الظاهر أن هذا من تمام كلام موسى مع قومه ، ولكن لما كان هاتان الأمتان من العرب لم يضبطوا خبرهما جيدا ، ولا اعتنوا بحفظه ، وإن كان خبرهما كان مشهورا في زمان موسى عليه السلام ...
والمقصود الآن ذكر قصتهم ، وما كان من أمرهم ، وكيف نجى الله نبيه صالحا عليه السلام ومن آمن به . وكيف قطع دابر القوم الذين ظلموا بكفرهم وعتوهم ، ومخالفتهم رسولهم عليه السلام ، قد قدمنا أنهم كانوا عربا ، وكانوا بعد عاد ، ولم يعتبروا بما كان من أمرهم ؛ ولهذا قال لهم نبيهم عليه السلام : اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين .
أي إنما جعلكم خلفاء من بعدهم لتعتبروا بما كان من أمرهم ، وتعملوا بخلاف عملهم ، وأباح لكم هذه الأرض تبنون في سهولها القصور ، وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين . أي حاذقين في صنعتها وإتقانها وإحكامها ، فقابلوا نعمة الله بالشكر والعمل الصالح والعبادة له وحده لا شريك له ، وإياكم ومخالفته ، والعدول عن طاعته فإن عاقبة ذلك وخيمة ؛ ولهذا وعظهم بقوله : أتتركون في ما هاهنا آمنين في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم . أي متراكم كثير حسن بهي ناضج وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون .
وقال لهم أيضا : يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها . أي هو الذي خلقكم فأنشأكم من الأرض وجعلكم عمارها . أي أعطاكموها بما فيها من الزروع والثمار فهو الخالق الرزاق فهو الذي يستحق العبادة وحده لا سواه فاستغفروه ، ثم توبوا إليه . أي أقلعوا عما أنتم فيه ، وأقبلوا على عبادته فإنه يقبل منكم ، ويتجاوز عنكم إن ربي قريب مجيب قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا . أي قد كنا نرجو أن يكون عقلك كاملا قبل هذه المقالة ، وهي دعاؤك إيانا إلى إفراد العبادة لله وحده ، وترك ما كنا نعبده من الأنداد ، والعدول عن دين الآباء والأجداد ؛ ولهذا قالوا : أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير .
وهذا تلطف منه لهم في العبارة ولين الجانب ، وحسن تأت في الدعوة لهم إلى الخير . أي فما ظنكم إن كان الأمر كما أقول لكم ، وأدعوكم إليه ؟ ماذا عذركم عند الله ؟ وماذا يخلصكم بين يديه ؟ وأنتم تطلبون مني أن أترك دعاءكم إلى طاعته ؟ وأنا لا يمكنني هذا ؛ لأنه واجب علي ، ولو تركته لما قدر أحد منكم ولا من غيركم أن يجيرني منه ، ولا ينصرني فأنا لا أزال أدعوكم إلى الله وحده لا شريك له حتى يحكم الله بيني وبينكم ، وقالوا له أيضا : إنما أنت من المسحرين . أي من المسحورين . يعنون مسحورا لا تدري ما تقول في دعائك إيانا إلى إفراد العبادة لله وحده ، وخلع ما سواه من الأنداد .
وقد ذكر المفسرون : أن ثمود اجتمعوا يوما في ناديهم ، فجاءهم رسول الله صالح فدعاهم إلى الله وذكرهم وحذرهم ووعظهم وأمرهم ، فقالوا له : إن أنت أخرجت لنا من هذه الصخرة وأشاروا إلى صخرة هناك ناقة من صفتها كيت وكيت ، وذكروا أوصافا سموها ونعتوها وتعنتوا فيها ، وأن تكون عشراء طويلة من صفتها كذا وكذا . فقال لهم النبي صالح عليه السلام : أرأيتم إن أجبتكم إلى ما سألتم على الوجه الذي طلبتم أتؤمنون بما جئتكم به . وتصدقوني فيما أرسلت به . قالوا : نعم . فأخذ عهودهم ومواثيقهم على ذلك ، ثم قام إلى مصلاه فصلى لله عز وجل ما قدر له ، ثم دعا ربه عز وجل أن يجيبهم إلى ما طلبوا فأمر الله عز وجل تلك الصخرة أن تنفطر عن ناقة عظيمة كوماء عشراء على الوجه المطلوب الذي طلبوا وعلى الصفة التي نعتوا ، فلما عاينوها كذلك رأوا أمرا عظيما ، ومنظرا هائلا ، وقدرة باهرة ، ودليلا قاطعا ، وبرهانا ساطعا فآمن كثير منهم ، واستمر أكثرهم على كفرهم وضلالهم وعنادهم ؛ ولهذا قال : فظلموا بها . أي جحدوا بها ، ولم يتبعوا الحق بسببها . أي أكثرهم ، وكان رئيس الذين آمنوا جندع بن عمرو بن مخلاة بن لبيد بن جواس ، وكان من رؤسائهم ، وهم بقية الأشراف بالإسلام فصدهم ذؤاب بن عمر بن لبيد ، والحباب صاحب أوثانهم ، ورباب بن صمعر بن جلهس ، ودعا جندع ابن عمه شهاب بن خليفة ، وكان من أشرافهم فهم بالإسلام فنهاه أولئك فمال إليهم .
ولهذا قال لهم صالح عليه السلام : هذه ناقة الله لكم آية . أضافها لله سبحانه وتعالى إضافة تشريف وتعظيم ، كقوله : بيت الله ، وعبد الله . لكم آية . أي دليلا على صدق ما جئتكم به فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب . فاتفق الحال على أن تبقى هذه الناقة بين أظهرهم ترعى حيث شاءت من أرضهم ، وترد الماء يوما بعد يوم ، وكانت إذا وردت الماء تشرب ماء البئر يومها ذلك فكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم لغدهم ، ويقال إنهم كانوا يشربون من لبنها كفايتهم ؛ ولهذا قال : لها شرب ولكم شرب يوم معلوم . ولهذا قال تعالى : إنا مرسلو الناقة فتنة لهم . أي اختبارا لهم أيؤمنون بها أم يكفرون ؟ والله أعلم . بما يفعلون : فارتقبهم أي انتظر ما يكون من أمرهم ، واصطبر على أذاهم فسيأتيك الخبر على جلية ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر . فلما طال عليهم الحال هذا اجتمع ملؤهم ، واتفق رأيهم على أن يعقروا هذه الناقة ليستريحوا منها ، ويتوفر عليهم ماؤهم ، وزين لهم الشيطان أعمالهم قال الله تعالى : فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين [ الأعراف : 77 ]
