البطل الخارق
زيزوومى فضى
غير متصل

مر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالسوق والناس كنفتيه –أي: عن جانبيه-، فمر بجدي أسك –أي: صغير الأذن- ميت، فتناوله فأخذ بأذنه، ثم قال: "أيكم يحب أن يكون هذا له بدرهم؟" قالوا: ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟ ثم قال: "أتحبون أنه لكم؟"، قالوا: والله لو كان حياً كان عيباً، إنه أسك؛ فكيف وهو ميت! فقال: "فو الله! لَلدنيا أهون على الله من هذا عليكم" أخرجه مسلم.

فها هي الدنيا في كامل زينتها وأبهى حلتها وأجمل بهجتها تعرض نفسها لخاطبيها ومشتريها، وحق لها ذلك؛ لكثرة الغافلين واللاهين والعابثين والخاطبين والمشترين.

تهافتوا وتنافسوا وتصارعوا من أجل الدنيا وبهرجتها، أُشْرِبَتْ نفوسهم حب الدنيا والركون إليها، فتاقت لها قلوبهم، وهوت إليها أفئدتهم؛ فأصبحت محط أنظارهم على اختلاف أجناسهم وطباعهم، رضوا بالحياة الدنيا من الآخرة، فكانت الويلات والنقمات هنا وهناك.

أصبح الكثير من الناس لا يحب ولا يكره إلا من أجل الدنيا، ولا يوالي ولا يعادي إلا من أجلها؛ أما الله الواحد القهار فلا يوالون ولا يعادون فيه أبداً، وهذا هو الجهل العظيم، والخطب الجسيم، نسوا الله فنسيهم وأنساهم أنفسهم، تركوا الآخرة والعمل لها، وركنوا إلى الدنيا وزخرفها.

فلله در أولئك الرجال الذين عرفوا: لماذا خلقوا؟ ومن أجل أي شيء وجدوا؟ فأين ذكور اليوم من رجال الأمس؟ أولئك الرجال الذين رغبوا فيما عند الله والدار الآخرة، تركوا الدنيا في كامل زينتها وأبهى حلتها، تركوا الفاني وأقبلوا على الباقي، قال -تعالى-: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) [الأحزاب:23].

أولئك الذين اعتصموا بالله، وأخلصوا دينهم لله، الذين عرفوا الله حق معرفته فلم يخشوا أحداً إلا الله، والله أحق أن يخشى، صدقوا مع الله فصدقهم الله -عز وجل-، إذا عملوا فللّه، وإذا أحبوا فلله، وإذا أبغضوا ففي الله، أعمالهم وأقوالهم خالصة لله دون سواه.

أما من ركنوا إلى الدنيا وأحبوا أهلها، وزهدوا في الآخرة وبقائها، فأولئك محبتهم وعداؤهم وولاؤهم فمن أجل الدنيا وأهلها ومناصبها، وما يحصلون عليه من كَرَاسيٍّ ومراتب ودرجات، فكانت المفاجآت أن حلت عليهم النكبات، ودارت عليهم الدائرات، وجعل الله بأسهم بينهم شديداً، فإذا اجتمعوا أظهروا خلاف ما يبطنون، وإذا تفرقوا أكل بعضهم بعضاً، قال -تعالى-: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [الزخرف:67].

فلنتق الله عباد الله، ولنعلم أننا ما خلقنا وما وجدنا على هذه البسيطة إلا لعبادة الواحد الديان، الذي له ملك السموات والأرض، وبيده خزائن كل شيء .
الحمد لله رب العالمين ,,

