روضة الكتب
زيزوومي جديد
- إنضم
- 26 سبتمبر 2016
- المشاركات
- 16
- مستوى التفاعل
- 4
- النقاط
- 20
غير متصل
من فضلك قم بتحديث الصفحة لمشاهدة المحتوى المخفي
وقد ورد اسم الله "الخالق" في القرآن الكريم في عدة مواضع.
منها: قوله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ) [الحشر: 24]، وقوله: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) [الزمر: 62]، وورد بصيغة المبالغة (الخلاّق) في موضعين من القرآن في قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) [الحجر: 86]، وقوله: (بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) [يس: 81].
والخلقُ يُطلق ويُرادُ به أمران:
أحدهما: إيجاد الشيء وإبداعه على غير مثال سابق، ومنه قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ) [يس: 71]، وقوله: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) [القمر: 49]، وقوله: (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) [الأعلى: 2-3]، وقوله: () [الفرقان: 2]، وقوله: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) [الأنبياء: 104].
والثاني: بمعنى التقدير، ومنه قولهم: خَلَقَ الأديم، أي: قدره، وقول الشاعر:
ولأنت تفري ما خلقت وبعـ ... ـض القوم يخلق ثم لا يفري
أي: أنت إذا قدَّرت أمراً أمضيته، وغيرك يقدر ثم لا يُمضي الشيء الذي قدَّره، وقوله: (وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا) [العنكبوت: 17] أي: تقدرونه وتهيئونه.
ومن هذا قوله تعالى: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) [المؤمنون: 14]، فالخلق في نعوت الآدميين معناه التقدير، أما الخلق الذي هو إبداع الشيء وإيجاده على غير مثال سابق فمتفرِّدٌ به ربُّ العالمين، كما قال تعالى: (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ) [فاطر: 3]، وقال تعالى: (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [لقمان: 11]، وفي الآية تحدٍّ لجميع الخلق، بل أثبت سبحانه عجز الناس أجمعين
ولو اجتمعوا عن آخرهم عن خلق ذباب واحد وهو من أضعف الحيوان وأحقره، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 73- 74].
ثم إن خلق الله لهذه المخلوقات لم يكن لهواً أو عبثاً أو لعباً، تنزَّه الرب وتقدَّس عن ذلك، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) [الأنبياء: 16-18]، وقال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) [المؤمنون: 115- 116]، بل خلق سبحانه الخلق ليعرفوه ويعبدوه.
ودليل الأول قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) [الطلاق: 12].
ودليل الثاني قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56].
وقد ضل أكثر الخلق في هذا الباب، فعرفوا أن الذي خلقهم هو الله وحده لا شريك له، وأنه وحده سبحانه تفرد بخلقهم وخلق السماء والأرض والجبال والأشجار وغيرها من المخلوقات، ومع هذا الإقرار صرفوا العبادة لغيره، وهذا هو معنى قوله تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) [يوسف: 106].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "من إيمانهم: إذا قيل لهم: من خلق السماء، ومن خلق الأرض، ومن خلق الجبال؛ قالوا: الله، وهم مشركون".
وقال عكرمة: "تسألهم من خلق السموات والأرض فيقولون: الله، فذاك إيمانهم بالله، وهم يعبدون غيره"( ).
وقال تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) [الأنعام: 1]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "يريد: عدلوا بي مِن خلقي الحجارة والأصنام بعد أن أقروا بنعمتي وربوبيتي"( ).
ويكثر في القرآن الكريم الاستدلال على الكفار باعترافهم بأن الله وحده هو الخالق الرازق المنعم المتصرف؛ على وجوب إفراده وحده بالعبادة وإخلاص الدين له، قال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)، فلما ذكر إقرارهم بهذا وبَّخهم منكراً عليهم شركهم بقوله: (فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) [العنكبوت: 61].
وقال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)، فلما ذكر اعترافهم بهذا وبخهم منكراً عليهم شركهم بقوله: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [العنكبوت: 63].
وقال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ)، ولا شك أن الجواب الذي لا جواب لهم غيره هو: لا، أي: ليس من شركائنا من يقدر على أن يفعل شيئاً من ذلك من الخلق والرزق، والإحياء والإماتة، فلما تعيَّن ذا الاعتراف وبخهم الله سبحانه بقوله: (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الروم: 40].
وقال تعالى: (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) [المؤمنون: 84- 89].
وقال تعالى: (آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) [النمل: 59- 60]، وقال تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) [الأنعام: 1].
وهنا يعجب العاقل أشدّ العجب من عقول المشركين كيف عدلوا مَن لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرّة في السموات ولا في الأرض بالذي خلق السموات والأرض، وجعل الظلمات والنور (أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) [الأعراف: 191- 192]، وكيف سوَّوا التراب بربِّ الأرباب، وكيف سوّوا العبيد بمالك الرقاب، وكيف سوَّوا عباداً أمثالهم بالرب العظيم والخالق الجليل سبحانه (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [الأعراب: 94]، تعالى الرب عما يصفه هؤلاء وسبحانه عمّا يشركون.
من كتاب فقه الأسماء الحسنى للشيخ عبد الرزاق البدر
منها: قوله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ) [الحشر: 24]، وقوله: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) [الزمر: 62]، وورد بصيغة المبالغة (الخلاّق) في موضعين من القرآن في قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) [الحجر: 86]، وقوله: (بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) [يس: 81].
والخلقُ يُطلق ويُرادُ به أمران:
أحدهما: إيجاد الشيء وإبداعه على غير مثال سابق، ومنه قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ) [يس: 71]، وقوله: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) [القمر: 49]، وقوله: (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) [الأعلى: 2-3]، وقوله: () [الفرقان: 2]، وقوله: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) [الأنبياء: 104].
والثاني: بمعنى التقدير، ومنه قولهم: خَلَقَ الأديم، أي: قدره، وقول الشاعر:
ولأنت تفري ما خلقت وبعـ ... ـض القوم يخلق ثم لا يفري
أي: أنت إذا قدَّرت أمراً أمضيته، وغيرك يقدر ثم لا يُمضي الشيء الذي قدَّره، وقوله: (وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا) [العنكبوت: 17] أي: تقدرونه وتهيئونه.
ومن هذا قوله تعالى: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) [المؤمنون: 14]، فالخلق في نعوت الآدميين معناه التقدير، أما الخلق الذي هو إبداع الشيء وإيجاده على غير مثال سابق فمتفرِّدٌ به ربُّ العالمين، كما قال تعالى: (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ) [فاطر: 3]، وقال تعالى: (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [لقمان: 11]، وفي الآية تحدٍّ لجميع الخلق، بل أثبت سبحانه عجز الناس أجمعين
ولو اجتمعوا عن آخرهم عن خلق ذباب واحد وهو من أضعف الحيوان وأحقره، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 73- 74].
ثم إن خلق الله لهذه المخلوقات لم يكن لهواً أو عبثاً أو لعباً، تنزَّه الرب وتقدَّس عن ذلك، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) [الأنبياء: 16-18]، وقال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) [المؤمنون: 115- 116]، بل خلق سبحانه الخلق ليعرفوه ويعبدوه.
ودليل الأول قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) [الطلاق: 12].
ودليل الثاني قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56].
وقد ضل أكثر الخلق في هذا الباب، فعرفوا أن الذي خلقهم هو الله وحده لا شريك له، وأنه وحده سبحانه تفرد بخلقهم وخلق السماء والأرض والجبال والأشجار وغيرها من المخلوقات، ومع هذا الإقرار صرفوا العبادة لغيره، وهذا هو معنى قوله تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) [يوسف: 106].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "من إيمانهم: إذا قيل لهم: من خلق السماء، ومن خلق الأرض، ومن خلق الجبال؛ قالوا: الله، وهم مشركون".
وقال عكرمة: "تسألهم من خلق السموات والأرض فيقولون: الله، فذاك إيمانهم بالله، وهم يعبدون غيره"( ).
وقال تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) [الأنعام: 1]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "يريد: عدلوا بي مِن خلقي الحجارة والأصنام بعد أن أقروا بنعمتي وربوبيتي"( ).
ويكثر في القرآن الكريم الاستدلال على الكفار باعترافهم بأن الله وحده هو الخالق الرازق المنعم المتصرف؛ على وجوب إفراده وحده بالعبادة وإخلاص الدين له، قال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)، فلما ذكر إقرارهم بهذا وبَّخهم منكراً عليهم شركهم بقوله: (فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) [العنكبوت: 61].
وقال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)، فلما ذكر اعترافهم بهذا وبخهم منكراً عليهم شركهم بقوله: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [العنكبوت: 63].
وقال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ)، ولا شك أن الجواب الذي لا جواب لهم غيره هو: لا، أي: ليس من شركائنا من يقدر على أن يفعل شيئاً من ذلك من الخلق والرزق، والإحياء والإماتة، فلما تعيَّن ذا الاعتراف وبخهم الله سبحانه بقوله: (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الروم: 40].
وقال تعالى: (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) [المؤمنون: 84- 89].
وقال تعالى: (آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) [النمل: 59- 60]، وقال تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) [الأنعام: 1].
وهنا يعجب العاقل أشدّ العجب من عقول المشركين كيف عدلوا مَن لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرّة في السموات ولا في الأرض بالذي خلق السموات والأرض، وجعل الظلمات والنور (أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) [الأعراف: 191- 192]، وكيف سوَّوا التراب بربِّ الأرباب، وكيف سوّوا العبيد بمالك الرقاب، وكيف سوَّوا عباداً أمثالهم بالرب العظيم والخالق الجليل سبحانه (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [الأعراب: 94]، تعالى الرب عما يصفه هؤلاء وسبحانه عمّا يشركون.
من كتاب فقه الأسماء الحسنى للشيخ عبد الرزاق البدر
