عبد الرحمن السحيم

اللّهمّ ارحمهُ واعفُ عنهُ
داعــــم للمنتـــــدى
إنضم
19 مايو 2018
المشاركات
15
مستوى التفاعل
58
النقاط
20
غير متصل
كثُر الكلام حول الإكثار مِن خَتْم القُرآن ، وخاصة في رمضان .

وبعضهم يستدلّ بِحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، وفيه : اقرأ في كل سَبْعِ لَيالٍ مَرّة . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية : ولا تَزِد على ذلك .
قال الإمام البخاري عن هذا الحديث : وقال بعضهم : في ثلاث ، وفي خَمْس ، وأكثرهم على سبع .
ويستدلّ بعضهم بحديث : لا يَفْقَه مَن قَرأه في أقلّ مِن ثلاث . رواه الإمام أحمد وأبو داود ، وصححه الألباني والأرنؤوط .
وبِقَول ابن مسعود رضي الله عنه : مَن قرأ القرآن في أقلّ مِن ثلاث فهو رَاجِز . رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة .

وما يُقابِل ذلك مِن الآثار المرويّة عن الصحابة والتابعين مِن خَتْم القرآن في أقلّ مِن ثلاث ، أو قراءة القرآن في رَكعة ، ونحو ذلك ؛ وهذا قد جاء عن عثمان بن عفّان رضي الله عنه ، وعن تَمِيم الدَّارِيّ رضي الله عنه وعن سَعِيد بن جُبَيْر وسَعْد بن إِبْرَاهِيم .
وكان هذا العمل لا يُستَنْكَر مِن الأئمة .
قال ابن وهب : قيل لِمَالِك : الرّجل الْمُحْصر يَخْتم القرآن في ليلة ؟ قال : ما أجْود ذلك ، إن القرآن إمام لكل خير ، قال مَالِك : ولقد أخبرني مَن كان يُصَلّي إلى جَنْب عُمر بن حسين في رمضان ، قال : كنت أسمعه يَسْتَفْتِح القرآن في كلّ لَيلَة . رواه البيهقي في " شُعب الإيمان " .

وقراءة القرآن في ليلة مُحتَمَلَة مِن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فإنه صلى الله عليه وسلم قرأ في رَكعة واحِدة أكثر مِن خمسة أجزاء ، وهذا يَعني أنه لو صَلّى سِتّ رَكعات بهذه الطريقة لَخَتَم القرآن في ليلة . وهذا مُحتَمل في ليالي الشتاء الطويلة .
ففي حديث حذيفة رضي الله عنه قال : صَلّيت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة ، فقلت : يَركَع عند المائة ، ثم مضى ، فقلت : يُصلي بها في ركعة ، فمَضَى ، فقلت يَركَع بها ، ثم افتتح النساء فقرأها ، ثم افتتح آل عمران فقرأها ، يقرأ مُتَرسِّلا إذا مَرّ بآية فيها تسبيح سَبَّح ، وإذا مَرّ بِسُؤال سَأل ، وإذا مَرّ بِتعوِّذ تَعوَّذ . رواه مسلم .
قال ابن حَجَر : وهذا إنما يَتَأتّى في نحو مِن سَاعَتين ، فلعله صلى الله عليه و سلم أحْيَا تلك الليلة كُلّها . اهـ .

وقراءة القرآن في أقلّ مِن ثلاث لم يَرِد نَهْي صريح عنها ، وإنما قرر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، مع الخلاف الذي أشار إليه الإمام البخاري : ثلاث ، خَمْس ، سَبْع ، وهو مُحتَمل أنه توجيه خاص بِعبد الله بن عمرو ، بِدليل أنه قال – في رواية أحمد وأبي داود - : لا يَفْقَه مَن قَرأه في أقلّ مِن ثلاث .
وتَخْتَلِف وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بِحسب ما يَعرِف عنهم ، وما يُطيقون ، وما يُناسِب كلّ واحد منهم ؛ فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم رَجُلاً فقال : لا تغضب ، فرد مرارا ، لا تغضب . كما عند البخاري .
وقال لآخر : عليك بالجهاد ، فإنه رَهبَانِيّة الإسلام . كما في مسند الإمام أحمد وغيره .
وقال لثالث : عليك بالصّوم ، فإنه لا مِثل له . وفي رواية قال : لا عِدْلَ له . كما في مسند الإمام أحمد وغيره .

ونَفْي الفِقْه والتّفقّه في القرآن والتّدبّر لا يَنْفِي حصول الأجر المذكور في قوله عليه الصلاة والسلام : مَن قرأ حَرْفا مِن كتاب الله فَلَه به حَسَنة ، والْحَسَنة بِعَشْر أمثالها ، لا أقول " آلم " حَرْف ، ولكن ألف حَرْف ، ولام حَرْف ، ومِيم حَرْف . رواه الترمذي وصححه الألباني .

وقد ذَكَر العلماء الخِلاف في تفضيل الترتيل مع قِلّة القراءة على سرعة القراءة مع كثرتها .

قال ابن القيم : اختلف الناس في الأفضل مِن الترتيل وقِلّة القراءة أو السرعة مع كثرة القراءة أيهما أفضل ؟ على قولين .
فذهب ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما وغيرهما إلى أن الترتيل والتدبر مع قِلّة القراءة أفضل مِن سُرعة القراءة مع كثرتها . واحتجّ أرباب هذا القول بأن المقصود مِن القراءة فَهْمه وتَدَبّره والفِقه فيه والعمل به ، وتلاوته وحِفظه وَسِيلة إلى معانيه ، كما قال بعض السلف : نَزَل القرآن ليُعْمَل به فاتّخَذُوا تِلاوته عَمَلاً .
ولهذا كان أهل القرآن هم العَالِمُون به والعَامِلُون بما فيه وإن لم يَحْفَظوه عن ظَهْر قَلْب ، وأما مَن حَفِظه ولم يَفْهمه ولم يَعْمَل بما فيه فليس مِن أهله وإن أقام حُروفه إقامة السّهْم ...
وقال أصحاب الشافعي رحمه الله : كَثْرة القراءة أفضل ، واحْتَجّوا بحديث ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَن قرأ حَرْفًا مِن كِتاب الله فَلَه به حَسنة ، والحسنة بِعَشر أمثالها ، لا أقول " الم " حَرْف ، ولكن ألِفٌ حَرْف ، ولامٌ حَرْف ، ومِيمٌ حَرْف . رواه الترمذي وصححه . قالوا : ولأن عثمان بن عفان قرأ القرآن في رَكعة ، وذكروا آثارا عن كثير مِن السلف في كثرة القراءة .
والصواب في المسألة : أن يُقال : إن ثواب قراءة الترتيل والتدبّر أجَلّ وأرفع قَدْرا ، وثواب كَثْرة القراءة أكثر عَددا ؛ فالأوّل كَمَن تَصَدّق بِجَوْهَرة عَظيمة ، أو أعتق عبدا قيمته نفيسة جدا ، والثاني : كَمَن تَصَدّق بِعَدد كثير مِن الدراهم ، أو أعتق عددا مِن العَبيد قِيمَتهم رَخِيصَة . اهـ .

وحَمَل بعض العلماء النهي عن قراءة القرآن في أقلّ مِن ثلاث على المداومة على ذلك .
قال ابن رَجب : و إنما وَرد النّهي عن قراءة القرآن في أقلّ مِن ثلاث على المداومة على ذلك ، فأما في الأوقات الْمُفَضّلة ؛ كَشَهر رَمضان ، خُصوصا الليالي التي يُطلَب فيها ليلة القَدْر ، أو في الأماكن الْمُفَضّلة ؛ كَمَكّة لِمَن دَخَلها مِن غير أهلها ، فيُسْتَحبّ الإكثار فيها مِن تلاوة القرآن اغتناما للزّمان والمكان ، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما مِن الأئمة ، وعليه يَدلّ عَمَل غيرهم . اهـ .

وخِتاما :
فهذه المسألة تحتاج إلى فِقْه نَفْس ؛ فَلَسْنَا نَرَى الناس في إقبال على قِراءة القرآن ، وقد تتابَعوا على قراءة القرآن في رَكعة ، أو في ليلة ، مِن أجل أن نُبيّن لهم وننهاهُم !

وأذكر بعض الأساتذة تَكلّم عمّا وَرَد عن أهل العلم في رمضان ، مِن أنهم يَترُكون التدريس وتعليم الناس ويُقبِلون على قراءة القرآن ، وحاول تفنيد ذلك وتضعيفه !!
وهذا خطأ مَنْهَجيّ وسُلوكيّ مِن وَجهين :
الوجه الأول : أنه بهذه الطريقة يُهوّن مِن شأن قراءة القرآن ، ويُضعِف الْهِمَم عن قراءة القرآن والإقبال عليه ، خاصة في رمضان .
الوجه الثاني : أنه أراد أن يُنَزّل قواعِد الْمُحَدِّثِين في رواية الحديث النبوي على ما وَرَد عن الأئمة !
وهذا غير صحيح ؛ فإن الأئمة احتاطُوا لِحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يَحتاَطوا لِغَيره ؛ لأن كلام النبي صلى الله عليه وسلم ليس كَكَلام غيره ، ولأن حديث النبي صلى الله عليه وسلم تُؤخَذ مِنه الأحكام بِخلاف الكلام الذي تُؤخَذ مِنه الْحِكمَة دون الأحكام .

قال أبو زكريا العنبري : الخْبَر إذا وَرَد لم يُحرم حَلالا ، ولم يُحِلّ حَرَاما ، ولم يُوجِب حُكما ، وكان في ترغيب أو ترهيب ، أو تشديد أو تَرخِيص ، وَجَب الإغماض عنه ، والتّسَاهل في رُوَاته . رواه الخطيب البغدادي في " الكفاية " .

قال الخطيب البغدادي في " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع " : وَأَمَّا أَخْبَارُ الصَّالِحِينَ وَحِكَايَاتُ الزُّهَّادِ وَالْمُتَعَبْدِينَ وَمَوَاعِظُ الْبُلَغَاءِ وَحِكَمُ الأُدَبَاءِ ؛ فَالأَسَانِيدُ زِينَةٌ لَهَا ، وَلَيْسَتْ شَرْطًا فِي تَأْدِيَتِهَا .
ثم روى بإسناده إلى يوسف بن الحسن الرازي يقول : إسناد الحكمة وُجُودها . اهـ .
أي أن وُجُود ما يَكون مِن الْحِكَم والمواعظ كافٍ عن البحث والتفتيش عن أسانيدها ؛ لأنه لا يُبنى عليها حُكم .

وللفائدة :
هل تُشترَط صِحة الأسانيد في نقل قِصَصٍ عن الصحابة والصالحين ؟

يجب عليك تسجيل الدخول أو التسجيل لمشاهدة الرابط المخفي

 

التعديل الأخير:
بارك الله فيك شيخنا الكريم

ونفع الله بك وجزاك الله خيرا

:rose:
 
توقيع : ABU_SomaiaABU_Somaia is verified member.
الله يبارك فيك شيخنا الجليل
على هذا الاستيضاح
وفقك الله

:222love:
 
توقيع : أبن الرافدينأبن الرافدين is verified member.
p_88224h311.gif
 
جزاك الله كل خير
شيخنا الكريم ونفع الله بك
وزادك من علمه وفضله
 
بارك الله فيك وجزاك خيرا وشكرا لك
 
توقيع : aelshemy
بارك الله فيك
 
جزاك الله خيرا
 
بارك الله فيك
 
توقيع : mha1m
جزاك الله كل خير أخى الكريم
 
توقيع : ابو روضة
جزاك الله خيرا أخي
 
جزاك الله خيرا اخي الحبيب
 
جزاك الله خيرا اخي الحبيب
 
جزاك الله خيرا اخي الحبيب
 
جزاك الله خيرا اخي الحبيب
 
جزاك الله خيرا اخي الحبيب
 
عودة
أعلى