ضياء البرق
زيزوومى مميز
- إنضم
- 6 نوفمبر 2012
- المشاركات
- 335
- مستوى التفاعل
- 347
- النقاط
- 520
غير متصل
من فضلك قم بتحديث الصفحة لمشاهدة المحتوى المخفي
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمات فواصل في استخدام وسائل التواصل
كلمات فواصل في استخدام وسائل التواصل
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ"(رواه البخاري)، وقال ابن القيم -رحمه الله-: "إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن الموت يقطعك عن الدنيا، وإضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة".
أيها المسلمون: إن النفس إن لم تُشغَل بالطاعة اشتَغَلَتْ بالمعصية، لاسيما في زمن وسائل التواصُل الرَّقْميَّة، والتهافُت على الصُّوَر والعناوين اليوميَّة، وتزيين الصفحات الشخصيَّة، فترى المرء أسيرًا لأوهام لا تنقضي، ورهينا لأمنيات لا تنتهي.
وأسوأ من ذلك مَنْ يعيش في لحظات الآخَرين، ويضيع أيامه، ويراقب حياة الناس وينسى حياته.
وقد جاء التحذير في الشريعة من ذلك الانشغال المذموم، والسلوك المسموم الذي يفسد على المرء دينه، ويضيع عليه عمره؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"(رواه الترمذي)، وقال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-: "إن أقوامًا جعلوا آجالَهم لغيرهم، ونسوا أنفسَهم، فأنهاكم أن تكونوا أمثالَهم".
ولْيُعْلَمْ -يا عبادَ اللهِ- أن وسائل التواصُل الاجتماعيّ غدت في الغالب مسرحًا للحياة الزائفة، وموطنًا للمقارَنات الجائرة، فدب إلى البعض داء الحسد والبغضاء، وسرى إلى قلوبهم السخط والشحناء، وقل الحمد والشكر على النعم والآلاء.
ومن الشرور والآفات تلك الحسابات المزيَّفة المنتحَلة، التي تنقط سمومها في المجتمعات، وتنشر الفتن والافتراءات، وتختلق التصريحات والإشاعات، وتلفق على ألسنة العلماء فتاوى مكذوبة، في حملات مأجورة، وتشويهات متعمَّدة، لا تراعي دِينًا ولا خُلُقًا، ولا ينقضي العجب ممن انساق وراء تلك الحسابات من غير تثبُّت، وبادَر إلى نشرها بلا تردُّد، دون الرجوع إلى المصادر الرسميَّة، والقنوات الموثوقة، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)[الْحُجُرَاتِ: 6].
أيها الناسُ: وثَمَّة فتنة تُفسِد القلوبَ في الخلوات، حينما يخلو المرء بالهاتف في الزوايا الخاليات، فينتهك الحرمات، ويشاهد المحرمات، مستخفا بأوامر الله، غير آبه بنواهيه، ناسيًا ما تجره تلك المناظر من أوبئة وأمراض، وانتهاك للأعراض، وضياع للأعمال والأوقات، وذهاب للحسنات، فعن ثوبان -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: "لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ -عز وجل- هَبَاءً مَنْثُورًا"، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، فَقَالَ النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا"(رواه ابن ماجه).
إن من أعظم النعم أن يفطن الإنسان لخلله قبل فوات الأوان، وأن يتنبه لقلبه قبل أن يستحكم عليه الران، فكم نحن بحاجة في هذا العالَم الرقميّ والضجيج التِّقنيّ إلى دواء لهذا التعلق المَرضيّ؛ وذلك بعزلة قصيرة، نطفئ فيها صخب الأجهزة، لا لنعتزل الحياة، بل لنعيد التوازن لما اختل من حياتنا، قال ابن الجوزي -رحمه الله-: "ما رأيت أنفع للقلب من عزلة يبصر فيها الإنسان عيوبه، ويتأمل فيها عواقب أموره".
عبادَ اللهِ: إن ديننا دين وسطية واعتدال، فاجعلوا للعبادة وقتًا، وللنفس حظًّا، وللأهل نصيبًا، فقد صدَق النبي -صلى الله عليه وسلم- قول سلمان لأبي الدرداء -رضي الله عنهما- حينما قال: "إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ"(رواه البخاري)؛ فاتقوا الله -عباد الله- وخذوا بأسباب النجاة، وتذكروا على الدوام أنكم عند ربكم موقوفون، وعن جوارحكم مسؤولون، قال -جل وعلا-: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)[الْإِسْرَاءِ: 36]، فاغتنِمُوا أعمارَكم، واستغِلُّوا أوقاتَكم، فَمَنْ صدَق يقينُه جدَّ واجتَهَد، ومن قصر أمله تزود واستعد، ففي صحيح مسلم، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز".
الشيخ د. ياسر الدوسري
إمام وخطيب الحرم المكي
إمام وخطيب الحرم المكي
