صدق الله وكذبت بطون الشعوب و صدق الله وكذب عسل المعالجين .
د.إياد قنيبي روى البخاري ومسلم أن رجلا جاء إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال : (إنَّ أخي استُطلقَ بطنُه)-أي أصابه الإسهال- فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ((اسقِه عسلًا))، فسقاهُ. ثم جاءَه فقال: (إني سقيتُه عسلًا فلم يزدْه إلا استطلاقًا)! فقال لهُ ثلاثَ مراتٍ. ثم جاء الرابعةَ فقال: ((اسقِه عسلًا)) فقال : (لقد سقيتُه فلم يزدْه إلا استطلاقًا).
كلما دعونا إلى التمسك بطريق النبي صلى الله عليه وسلم: الدعوة النقية الشاملة دون تنازلات، مع الصبر على تبعاتها وتضييق الظالمين عليها، والجهاد في ساحات الجهاد مع التزام أحكامه وضوابطه دون غُلُوٍّ ولا تفريط...كلما دعونا إلى ذلك رد علينا البعض بأن هذا الطريق لا يوصل، وأن الأمة جربته طويلا دون فائدة.
فلا نملك إلا أن نقول لهم: صدق الله وكذب واقعكم! فلو أن الدعاة والمصلحين والمسلمين من خلفهم لزموا هذا الطريق النبوي لوصلوا لا محالة إلى عزة الأمة ومجدها. وإن لم يصلوا فهذا نتيجة لمشكلتين: 1) وجود شوائب في العسل:
- فعندما كشفت الثورات العربية القصور في كثير من الدعاة كان علينا أن ندرك أن دعوتهم السابقة كانت مشوبة ولهذا لم تحقق الأثر المطلوب عبر العقود الماضية...أي أنها كانت عسلا مغشوشا!!
-وعندما حصلت أخطاء في الجهاد كان علينا أن نعترف بأن الخلل ليس في سبيل الجهاد ذاته بل فيما تلبس به من أخطاء أخَّرَت النصر.
2) كثرة الخَبَث:
فأمراض مجتمعاتنا وخَبَث واقعنا مستفحل متراكم عبر العقود ويحتاج صبرا على العلاج حتى يحصل الشفاء.
فالمطلوب إذن هو تصحيح نوع "العسل" الذي علينا أن نتعاطاه، وزيادة في جرعته، والصبر على تأخر الشفاء،
وأن نتبنى العلاج النبوي لمشاكلنا –طريق الدعوة والجهاد- بيقين الشفاء فيه لا على سبيل التجربة المتشككة.
فإذا لزمنا هذا الطريق وتمسكنا به ثقةً ويقينا كيقين النبي وثقته حين قال: ((صدق الله وكذب بطن أخيك))، فوالله لنصلن حتما...
وليس الحل في أن نحيد عن الطريق لقلة صبرنا ويقيننا، فنتنازل عن ثوابت ديننا ونخلط العسل بالنجاسة! ونظن أن الخلل في الطريق ونتهمه بأنه غير موصل بدلا من أن نتهم أنفسنا حين حِدنا عنه ومِلنا.
تأمل في ذلك كلام ابن القيم في (زاد المعاد في هدي خير العباد) إذ قال: (إن طب النبي متيَقَّن قطعي صادر عن الوحي ومشكاة النبوة وكمال العقل. وطبُّ غيره أكثره حدس وظنون وتجارب. ولا ينكَر عدم انتفاع كثير من المرضى بطب النبوة، فإنه إنما ينتفع به من تلقاه بالقبول واعتقاد الشفاء به وكمال التلقي له بالإيمان والإذعان. فهذا القرآن الذي هو شفاء لما في الصدور إن لم يُتَلَقَّ هذا التلقي لم يحصل به شفاء الصدور من أدوائها بل لا يزيد المنافقين إلا رجسا إلى رجسهم ومرضا إلى مرضهم..... فإعراض الناس عن طب النبوة كإعراضهم عن الاستشفاء بالقرآن الذي هو الشفاء النافع وليس ذلك لقصور في الدواء ولكن لخبث الطبيعة وفساد المحل وعدم قبوله، والله الموفق). أي أن عدم الشفاء بهدي الله تعالى في القرآن وبطب نبيه صلى الله عليه وسلم ناتج عن شدة فساد المرض المراد شفاؤه وعدم تلقي المريض للوحي بالقبول واليقين.
لذا...فصدق الله وكذبت بطون الشعوب، وصدق لله وكذب عسل المعالجين.
فهل نغش العسل أم نصبر على العلاج الصحيح حتى تصحَّ أمتنا؟
خلال الحرب العالمية الثانية كان هناك قائد سفينة عسكرية اسمه لونا مارينو معروف بحكمته. اتى اليه احد الجنود مرة وهم فوق السفينة وقال له سيدي هناك سفينة للعدو قادمة باتجاهنا.
فقال بكل هدوء:حسنا احضر لي قميصي الاحمر
فلبسه وبدأ هو وجنوده تبادل اطلاق النار مع العدو حتى اغرقوا سفينة العدو وقتل كل من فيها!!!
بعد انتهاء المعركة سال الجندي قائده عن سر القميص الاحمر !!
فقال القائد: لقد خفت ان تصيبني جروح يسيل منها دمي فيراه جنودي ويصيبهم انتكاسة معنوية تسبب هزيمتنا ،، ولون القميص الاحمر سيستر تلك الدماء.
بعد ايام من الحادثة اتى مجموعة من الجنود لقائدهم مارينو واخبروه ان هناك عشر سفن للعدو تتجه نحوهم فقال لهم: