من فضلك قم بتحديث الصفحة لمشاهدة المحتوى المخفي
(59/ 8) البَعثَة وبَدء الوَحي:
قالت أم المؤمنين عائشةُ رضي اللهُ عنها: "أول ما بُدِئ به رسولُ الله صلى اللهُ عليه وسلم مِن الوحي الرُّؤيا الصَّالحة في النَّوم، فكان لا يرى رُؤيا إلا جاءت مثل فَلَق الصُّبح، ثم حُبِّب إليه الخَلاء، وكان يخلو بغار حِراء فيتحنَّث "يتعبّد" فيه اللَّيالي ذَوَات العَدَد قبل أن يَنْزِع إلى أهله، ويتزوَّد لذلك، ثم يرجع إلى خَدِيجَة فيتزوَّد لمثلها، حتى جاءه الحقُّ وهو في غَار حِرَاء، فجاءه المَلَكُ فقال: اقْرَأ، قال: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ»، قال: «فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي»، فقال: اقْرَأ، قُلتُ: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ»، «فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي»، فقال: اقْرَأ، فقُلتُ: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ»، «فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي»، فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ}. (سورة العلق: 1-3)؛ فرجع بها رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَرجِف فُؤَاده، فدخل على خَدِيجَة بِنْت خُوَيْلِد رضي اللهُ عنها، فقال: «زَمِّلُونِي، زَمِّلُونِي»، فزمَّلوه حتى ذهب عنه الرَّوعُ، فقال لِخَدِيجَة وأخبرها الخبر: «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي». فقالت خَدِيجَةُ: "كَلاَّ، واللهِ مَا يُخزِيكَ اللهُ أَبدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ"، فانطلقت به خَدِيْجَةُ حتى أتت به وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَل بْنِ أَسَدٍ "ابْنُ عَمِّ خَدِيجَة" وكان اِمْرَأً تنصَّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العِبْرَانِي، فيكتب من الإِنْجِيل بالعِبرَانِية ما شاء اللهُ أن يكتب، وكان شيخًا كبيراً قد عَمِي، فقالت له خَدِيْجَةُ: "يا ابن عمِّ، اسمع مِن ابن أخيك"، فقال له وَرَقَةُ: "يا ابن أخي، ماذا تَرَى؟!" فأخبره رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خَبَر ما رَأَى، فقال له وَرَقَة: "هذا النَّامُوس الذي نزّل اللهُ على مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فيها جَذَعًا، لَيْتَنِي أكون حَيًّا إِذْ يُخرجك قَومُك"، فقال رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟!»، قال: "نعم، لم يَأتِ رَجُل قطُّ بمثل ما جئتَ به إلا عُودِي، وإن يُدركني يومك أنصرك نصرًا مُؤَزَّرًا". ثم لم يَنْشَب وَرَقَةُ أن تُوفي، .. وكان ذلك في شهر رمضان؛ ثم انقطع الوَحِي لمدة، فحَزَن الرسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثم عاد إليه جِبْرِيلٌ جالساً على كُرسِي بين السَّماء والأرض في هَيْئَته الحقيقة، فارتعب منه النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وعاد إلى خَدِيجَة وهو يقول: «دَثِّرُونِي، دَثِّرُونِي». فأنزل اللهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ}. (سورة المذر: 1،2)؛ فتَتَابع الوحي بعدها.