ثانيًا: الجَبهة الشرقية (مع الفُرس):
بعد فتح دمشق عاد جيش خالد إلى العراق بأمر الخليفة، كما أرسل جيشًا بقيادة أبي عبيد بن مسعود الثقفي، ثم أضاف مددًا بإمرة جَرِير البَجَلِي، فساروا باتجاه الكوفة، وتلاقيا، والتقيا بجيش من الفُرس، فهزمهم المسلمون.
1. معركة النمارق (13هـ/ 634م): التقى أبو عُبيد الثَّقفي بالفُرس في النمارق (بين الحيرة والقادسية) فألحق بهم هزيمة منكرة، ففرُّوا إلى المدائن.
2. معركة الجِسر (13هـ/ 634م): أرسل الفُرسُ جيشًا كثيفًا لقتال المسلمين، فجَرَت معركة عنيفة، استُشهد فيها القائد أبو عُبيد، والقُوَّاد الذين بعده، فتولى القيادة المُثَنَّى بْن حَارِثَة وواصل القتال، ثم انسحب بالمسلمين، وقد جُرِح جرحًا بليغًا، وقد استُشهد وغَرق من المسلمين كثير.
3. معركة البُوَيْب (رمضان 13هـ/ 634م): كانت قُرب الكوفة، وبقيادة المُثّنَّى، وانتصر فيها على الفُرس انتصارًا ساحقًا، ثم جاء مَدد بقيادة سَعد بن أبي وَقَّاص، وقد أَمَر عمرُ بتعيينه قائدًا عامًا.
4. معركة القادسية الكبرى (محرم 16هـ/ 637م):
قَدِم سَعدٌ مع الجيوش الإسلامية، فعسكر في (القادسية) وأرسل يَزْدَجِرد كِسْرَى الفُرس قائدَه رُسْتُم على 120 ألف مقاتل، ومثلهم مددًا، وأرسل سعدٌ رسلًا إلى رُسْتُم، فقاموا بعرض الإسلام أو الجِزية أو القتال، وقد تجلَّى في هؤلاء الرُّسل أَنَفَة الإسلام وعِزَّته، فمِما قالوه: "جِئنا لنخرجكم مِن عبادة العِباد إلى عبادة الله تعالى"، وقالوا: "جئنا لموعود الله إيَّانا، أخذ بلادكم وسَبي نسائكم وذراريكم وأخذ أموالكم، ونحن على يقين من ذلك" .. وقد أضعف هذا الكلام معنويات الفُرس؛ ثم بدأ القتال، واستمر عنيفًا لمدة أربعة أيام، استخدم الفُرس فِيَلَة ضخمة ففقأ المسلمون عيونها، فرجعت على الفرس وقتلتهم، ثم انتهت المعركة بانتصار عظيم للمسلمين، فقد قُتِل قائد الفُرس ومعظم جُنده، وغَنم المسلمون غنائم هائلة جدًّا، وبشَّروا الخليفة عمر بذلك.
5. فتح العاصمة وبقية المدن وإنهاء الإمبراطورية الفارسية: تقدَّم المسلمون نحو المدائن، فالتقوا بعدَّة جيوش من الفُرس فسَحقوهم فتحصَّن الفُرس أخيرًا بمدينة (بهرسير) الحصينة في المدائن؛ ثم فرُّوا إلى داخل المدائن، فتبعهم المسلمون.
6. فتح المدائن (صفر 16هـ/ 637م):
دخل المسلمون المدائن ،وهي عاصمة الفُرس ومركز حُكمهم، وكانت خالية فقد فرَّ كِسرى فارس (يَزْدَجِرد) وفرَّ أهلها، فَسَكن سعدٌ في القصر الأبيض (قصر يَزْدَجِرد) واتخذ الإيوان مُصلَّى، وغَنم المسلمون غنائم هائلة من خزائن كِسْرَى، فَتَلا سَعدٌ قوله تعالى: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ. وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ. كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ. فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان: 25 - 29] .. وهكذا سقطت العاصمة الفارسية العريقة في أيدي المسلمين، ولا شكّ أن سُقوطها آذن بالإنهيار الكامل للإمبراطورية الفارسية.
7. فتح جَلُولاَء: وهي المدينة التي فرَّ إليها يَزْدَجِرد، وتجمَّع معه الفُرس هناك، فتحصُّنوا بها، فتقدَّم إليها المسلمون وفتحوها، وانتصروا انتصارًا عظيمًا، ولم تقلّ غنائمها عن المدائن.
ثم فتح المسلمون: حُلْوَان، تَكْرِيت، المَوْصِل، مَاسَبَذَان، الأَهْوَاز، تُسْتَر، السُّوس، جُنْدَيْسَابُور .. وقبض المسلمون على الهُرمُزَان وهو من أكابر الأُمراء، وأرسلوه إلى عُمَر مع الغنائم.
8. فتح إِصْطَخْر (17هـ/ 638م): سار إليها العَلاء بن الحَضْرَمِي (والي البحرين) بحرًا بدون إذن الخليفة، وحقَّق بعض الانتصار فحاصرهم الفُرس، فأرسل عُمَرُ مددًا، فتحقَّق الانتصار الرائع، وفُتِحت المدينة.
9. فتح نهاوند "فتح الفتوح" (21هـ/ 641م):
أراد عُمَرُ أن يَسِير بنفسه لإكمال قتال الفُرس، فمنعه الصَّحابة، فسيَّر النُعمَان بْن مُقَرِّن المُزَنِي إلى نَهَاوَنْد على 30 ألفًا، ووصلت جُموع الفُرس إلى 150 ألف مقاتل؛ ثم نَشَبَت المعركة، وكانت حامية، قُتِل فيها من الفُرس أكثر من 100 ألف، وتجلَّل وجه الأرض بجثثهم، وقُتِل قائدهم (الفَيْرَزَان) واستُشهد النُّعمان في المعركة، وتولَّى بعده حُذَيْفَة بْن اليَمَان، ففُتِحت نَهَاوَنْد، وكان نصرًا عظيمًا مبينًا.
ثم واصل المسلمون تقدَّمهم، وفتحوا أَصْبَهَان، وقَاشَان وكَرمَان.